بقلم حكيم بلمداحي
منذ ستة أشهر على الأقل والنظام الجزائري بآلته الإعلامية ينفخ مع البوليساريو في قربة من الأكاذيب بعناوين متلاحقة تصور المغرب وكأنه انهزم بالضربة القاضية، واستسلم لحصار متتابع عكسته عناوين شبه يومية. ليتحول أول أمس الأربعاء إلى يوم أسود انطفأت فيه شمعة الدعاية من كيغالي إلى بروكسيل، ليصاب إعلام النظام الجزائر وقيادة الوليساريو بالخرس.
من تسويق تحركات زعيم البولساريو وهو يتنقل بين ما يسمى بالمناطق العسكرية استعدادا لتحويل ملف الكركرات إلى بداية هجوم عسكري وشيك على المغرب، مرورا بتسويق قوي لما سمي بالمحادثات الثنائية مع المغرب في برلين ولشبونة، واستغلال رأي المحكمة الأوروبية في قضية اتفاق الصيد إلى اعتراف عالمي بوجود «دولة البوليساريو»، وتسويق مكثف لاحتجاز حمولة الفوسفاط في جنوب إفريقا وكأنه محاصرة تجارية شاملة للمغرب، وترويج الانتقال للحصار الجوي، وانتهاء بتحويل عنق القربة في اتجاه كيغالي لإسقاط المغرب مغشيا عليه في فضاء منطقة التبادل الحر الإفريقي.
الأوروبيون يغرقون كذبة الصيد
في الوقت الذي كان رؤساء وممثلو الدول الإفريقية يوقعون بالتوالي على اتفاق منطقة التبدل الحر الإفريقي، كانت دوخة الضربة عنيفة، لكن بعد سويعات ستزداد قوة اللطمة مع خروج قرار اعتماد المفوضية الأوروبية، الأربعاء الماضي، لقرار تجديد اتفاق الصيد البحري مع المغرب يشمل الأقاليم الجنوبية. وتهدف هذه الاتفاقية، حسب بلاغ للمفوضية الأوروبية، إلى «الحفاظ على الشراكة في قطاع الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، وتطويرها بشكل أكثر من خلال إبرام اتفاقية وبروتوكول مستدامين ولهما مردودية في المجالين البيئي والاقتصادي كما يتوافقان بشكل كامل مع القانون الدولي والأوروبي».
وأشارت اللجنة الأوروبية، في بيانها، إلى أن المغرب «هو شريك قريب من الاتحاد الأوروبي يستفيد من وضع متقدم في إطار السياسة الأوربية للجوار وكذا اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوربي والمغرب»، ويروم الاقتراح الذي اعتمدته المفوضية الأوربية كذلك تحسين الحكامة الجيدة لقطاع الصيد البحري، خاصة من خلال تعزيز وتقوية التتبع ومراقبة نشاط الصيد في المنطقة .
وبالنسبة للمفوضية الأوروية، فإن استمرارية الاتفاق سيكون مفيدا للطرفين فمن جهة من خلال تقديم الدعم للمغرب في استراتيجيته الخاصة بالتنمية المستدامة لقطاع الصيد البحري «أليوتيس» بفضل المساهمات المالية المهمة، التي سيتم رصدها برسم البروتوكول، ومن جهة أخرى عبر تمكين الفاعلين في الاتحاد الأوروبي، ومن ضمنهم الذين يشتغلون في قطاع الصيد التقليدي بالعديد من الدول الأعضاء، من الاستفادة من الإمكانيات المتاحة للصيد التي يقدمها الاتفاق والبروتوكول المعدل.
كيغالي تحرج الجزائر وتضع البوليساريو في حجمها
تحول خطاب النصر الوشيك على المغرب في كيغالي، ونقل معركة محاصرة المغرب لقلب القارة بعد إشاعات هزمه في أوروا، إلى صمت مطبق، وعكست وكالة الأنباء الجزائرية هذه الصور، حين تخلت طيلة اليوم عن نقل أي خبر يهم البوليساريو، وشرعت في نقل أجواء توقيع الوزير الأول الجزائري أويحيى على الاتفاقية، في مشهد مثالي للحياد المطلوب من الجزائر.
هذا المشهد انضبط بأمثل صورة لخطاب إفريقيا الكبير الذي حمله موسى فاكي رئيس المفوضية، والذي دعا الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، إلى تعزيز صورة إفريقيا موحدة في الوقت الذي يستعد فيه الاتحاد الإفريقي لتفعيل منطقته القارية الكبرى للتبادل الحر، وبدت الدول الكبرى بالقارة منشغلة بالدفاع عن مصالحها وغير مبالية بلعب أقزام غرقت صورتهم بين الكبار.
مشهد بدا مفضوحا في إعلام البوليساريو، الذي صمت كليا عن الحدث، وشرع في كي جروح قرار اللجنة الأوروبية حول اتفاق الصيد، من خلال تهييء الرأي العام بالمخيمات لهذه الضربة التي كانت معلومة لهم قبل تعميمها، حيث التنديد بتوجه الدول الأوروبية نحو تجاهل ما تصفه البوليساريو بقرار المحكمة الأوروبية الذي تحول إلى نص مقدس لتحرير الصحراء الوهمي.
إحاطة كوهلر تدفن غزعبلات التخبط المغربي
مباشرة بعد الاستماع للإحاطة التي قدمها في اليوم نفسه المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية «هورست كوهلر» أمام مجلس الأمن الدولي، أصدر الأخير بيانا عقب الجلسة يثمن فيه المجهودات التي تقوم بها منظمة الأمم المتحدة في هذا الصدد، ويدعو من خلاله الأطراف إلى بلورة دينامية سياسية وتقريب وجهات النظر لإيجاد حل سياسي ونهائي للنزاع المفتعل.
الإحاطة الواضحة تدفن ادعاءات الاختراق الذي روجت له البوليساريو لشهور، فمنذ استدعائها للقاء كوهلر بألمانيا، لجأت آلة الإعلام الجزائرية والبوليساريو لترويج خضوع المغرب لضغوطات المبعوث الخاص للأمين العام، بهدف إجراء مفاوضات مباشرة، وتغنت الجزائر بانتصار قناعها في الحياد، ودقت دفوف الانتصار الوشيك، وتصوير المغرب محشورا في زاوية استسلام قريب.
وبالرغم من رسائل لشبونة الواضحة، فإن الجزائر والبوليساريو تابعتا نفس الخطاب، لكن إحاطة الأربعاء جعلتهما تلجآن مرة أخرى للعبة التأويل لتمطيط حبل الكذب تجاه المستهدف من حروب التعبئة في الجزائر وتندوف، فاختفت عبارات الانتصار وحشر المغرب، لتعود الآلة الإعلامية للحديث عن حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية، في ما يشبه احتراق ورقة الثروات والمحادثات المباشرة.
تحرش الكركرات ينتهي بتوزيع الاتهامات
بدا لافتا، صبيحة أمس الخميس، أن ضربات الأربعاء الأسود أربكت خطاب التصعيد لدي قيادة البوليساريو، وكالعادة لم تجد من وجهة لتسويق خسارتها سوى توزيع الاتهامات على من تسميهم «أعداء القضية»، وعلى رأسهم فرنسا، ولذلك نسيت نفسها وهي تندد بالاتحاد الأوروبي مجتمعا في انعطاف قضية الصيد البحري، لكن المثير في تقارير أمس الخميس، هو السكوت المطبق على قضية الكركرات.
الفقرة الواردة في بلاغ الإحاطة، التي قدمها المبعوث الخاص لمجلس الأمن، والتي تقول «كما أشار بيان مجلس الأمن الدولي الصادر بخصوص الصحراء إلى أنه أحيط علما بكل التحركات واللقاءات التي قام بها الألماني «كوهلر» منذ تعيينه بالمنصب، وكذلك إطلاع المجلس على الوضع بمنطقة الكركرات الحدودية والتطورات التي شهدتها قبل أشهر بسبب إستفزازات عناصر البوليساريو، مطالبا الأطراف بضبط النفس والإلتزام بإتفاق وقف إطلاق النار، وبالخصوص قرار المجلس الأخير رقم 2351»، تم حذفها ليتم التركيز على عناوين «المحادثات» و «إحياء المفاوضات»، بعيدا عن عنترية ورقة الكركرات التي أرجعت البوليساريو إلى أرض الواقع.