بعدما تراجع حضور جماعة العدل والإحسان في الساحة السياسية، وصارت تعيش عزلة حرمتها من الأضواء، نجحت هذه الأخيرة، في سرقة بعض من الاهتمام، بعد اتهامها باستغلال المطالب المشروعة للمحتجين، وتحريض الساكنة بشكل متواصل على الاحتجاج بدون احترام المقتضيات القانونية، فهل تسعى الجماعة وهي تتسلل إلى دائرة الاحتجاجات بمدينة جرادة للبحث عن بقعة ضوء تخرجها من قتامة العزلة، أم أن إصرارها على الحضور هو تكريس لأدبياتها المبنية على ركوب الأحداث والانغمار وسط الاحتجاجات وهدفها من ذلك هو السعي لتحقيق أهدافها؟
من السهل أن تثبت السلطات المغربية بالدلائل وتقطع الشك باليقين تورط جماعة العدل والإحسان في تأجيج الاحتجاجات بجرادة وزعزعة أمن واستقرار هذه المدينة، لكن من الصعب أن تدحض الجماعة اتهامات وزارة الداخلية، وهي التي اعتادت ركوب سفينة الاحتجاجات ضد السلطات بل لا تتوانى في نسج أشرعة السفينة، يكون ظاهرها الدعم والمساندة بالسلمية والنهج السليم وباطنها التحريض على ممارسة كل أشكال التصعيد وصب الزيت على النار، ويتضح ذلك جليا عبر حضور أتباع الجماعة في مختلف المحطات الاحتجاجية واستغلال المطالب المشروعة للمحتجين، فيما يرسخ الموقع الالكتروني لهذا التنظيم المحظور نفس الطرح والذي يجيز لجميع القياديين اتهام الدولة بمراكمة الإخفاقات.
استغلال للأوضاع والأحداث
ركوب العدل والإحسان على الأحداث واستغلال الاحتجاجات لا يبرزه حضورها في ملف جرادة فحسب، وإنما اتضح جليا من خلال محطات سابقة من أبرزها قضية الأساتذة الراسبين، بعدما حاولت الجماعة تسييسها، واستغلالها بمقاربة احتجاجية غير مسؤولة بالدعوة إلى تنظيم مسيرات احتجاجية تضامنا مع أساتذة متدربين لم يحصلوا على النقط الكافية في العديد من الاختبارات التي تم اجتيازها برسم عدد من المواد الأساسية، مما لا يؤهلهم لتولي مناصب وظيفية، حيث دعت الجماعة عبر بيانات متتالية إلى العصيان والتمرد، وتنظيم مسيرات احتجاجية مع العلم أن عدد الراسبين من الأساتذة لا يتعدى 130 أستاذ من نحو 9000 مرشح اجتازوا امتحانات وزارة التربية الوطنية.
الأحداث الأخيرة التي عرفتها منطقة جرادة كشفت هي الأخرى عن نوايا العدل والإحسان في استغلال الأوضاع القائمة والركوب على أحداثها، إذ لم يجد نفي ناطقها الرسمي ضلوع أتباعها في التحريض على أعمال العنف وإخراج الاحتجاجات من مسارها الحقيقي وهو الاجتماعي والاقتصادي، في إبعاد شبهة التحريض، نظرا لوجود بيانات أصدرتها الجماعة في ظل الأحداث لا تخلو من مضامين التحريض.
وكانت العدل والإحسان قد اختفت منذ سنوات أي بعد انسحابها من حركة 20 فبراير، فيما توارى قياديوها عن الظهور، قبل أن تجد الطريق سالكة للظهور مجددا وهي تستقل قطار حراك الريف وزاكورة وجرادة.
عزلة وفراغ إعلامي
وتعيش جماعة العدل والإحسان منذ فترة ليست بالوجيزة عزلة لا يبدد حدتها سوى بعض المواقف المتباعدة لقيادييها على الموقع الالكتروني التابع لها، حيث غابت خرجاتها عن الساحة السياسية، باستثناء التقارير التي يصدرها المجلس القطري للدائرة السياسية، والتي تحمل دائما تشخيصا سياسيا واجتماعيا، واقتصاديا، لحالة البلاد التي لا تنظر إليها دائما الجماعة بعين الرضى، كونها لا تبشر بالخير، وهذا الغياب لم يكسره نسبيا سوى ما تكشف عنه الجماعة من حين لآخر في بيانات لا تتعدى البريد الالكتروني لمدير مكتب ناطقها الرسمي حسن بناجح.
محمد ضريف الباحث في شؤون الجماعة يرى في تصريح ل "المشعل" أنه ليس مألوفا أن تلتزم العدل والإحسان الصمت، ولو في غياب الاحتجاجات الشعبية، وخاصة الدائرة السياسية، التي تعبر عن مواقفها باستمرار، وتعقد ما يسمى مجلسها القطري، وتصدر بيانات متتالية، تعبر عن مواقفها، وفسر ضريف تراجع حضور الجماعة والذي يدفع البعض إلى الاعتقاد بوجود صمت يخيم على الجماعة، هو تراجع اهتمام الصحف المستقلة بها، التي لم تعد تتحدث عن جماعة العدل والإحسان، بعدما كانت تنشر حوارات، وتتبع عن قرب خطواتها.
خلال الأحداث الأخيرة التي عرفتها مدينة جرادة تردد إسم العدل والإحسان في بيان لوزارة الداخلية وعبر وسائل إعلامية متفرقة، وطفا إسم الجماعة على سطح الساحة السياسية بعد فراغ إعلامي عانته العدل والإحسان، وهكذا فإن استغلال الوضع القائم في المنطقة المذكورة رآه البعض تسويقا إعلاميا، تتقنه الجماعة للتذكير بوجودها، ومارسته الآن بعدما أدركت نفور بعض الفرقاء السياسيين المتعاطفين معها، كما أنه لا يمكن أن يكون إلا محاولة للخروج مما تعتبره الجماعة حصارا إعلاميا مضروبا عليها، وهذا ما يزكيه ناطقها الرسمي حسن بناجح في تصريح ل"المشعل" بعدما قال "لا نتوفر على جرائد، لننقل مواقفنا، وحتى المواقع الالكترونية، يتم التشويش عليها، وحجبها، كما تمنعنا السلطات باستمرار من التعبير عن مواقفنا في المحاضرات التي ننوي تنظيمها بالجامعات المغربية".
العدل والإحسان أدركت عبر سنوات أن للاحتجاجات الشعبية المرتبطة بالمطالب المشروعة لها شرارات لا يمكن أن تتوهج إلا من خلال ممارسة تضليل الرأي العام، وترويج الادعاءات والافتراءات الكاذبة، وهذا ما أبرزته التحقيقات الأمنية في ملف جرادة، ونبهت إليه وزارة الداخلية في بلاغها حول التطورات التي عرفتها منطقة جرادة، حيث أفادت مصادر من عين المكان، أن عناصر من جماعة العدل والإحسان عملت ما بوسعها لتأجيج الاحتجاجات والترويج لصور مزيفة لا علاقة لها بجرادة ونشرها على بعض الصفحات بمواقع التواصل الاجتماعي، فيما سارع الموقع الالكتروني للجماعة إلى زرع بذور اليأس على تربة المنطقة الخصبة بالمواجع.
العزلة التي تعيشها العدل والإحسان تحولت إلى قلق بات يحيط بقيادييها فحولوه بدورهم إلى دعوة للعصيان والتمرد، تلقاها الأتباع بسرعة الامتثال والانصياع، وجسدوا الامتثال على أرض جرادة مما أدى إلى اعتقال واحد من قيادييها في وجدة وتقديمه أمام أنظار العدالة للنظر في مسؤوليته التحريضية عن أعمال العنف الخطيرة التي شهدتها المنطقة، لكن الاعتقال تحول في بيانات العدل والإحسان إلى اختطاف بعدما اعتمدت الجماعة على قاموسها القديم في صياغة بيانها حول توقيف قياديها والاستماع إليه فقط.
تحول بسبب العزلة
ويرى متتبعون لشأن الجماعة أن خطاب هذه الأخيرة عرف تحولا صار متناغما مع الأحداث والاحتجاجات التي تعرفها المملكة بدعوى التضامن والمساندة، بعد أن كان الخطاب محصورا حول أفكار ومواقف مرشدها الراحل عبد السلام ياسين، حيث ظلت الدائرة السياسية تفرض رقابة ذاتية لا يتسع معها التضامن إلا لفائدة الموالين والأتباع، وحسب عبد الغني افريفر وهو عضو سابق بالجماعة فإن الأعراف التي كانت سائدة خلف جدران البيوت التي تحتضن اجتماعات القياديين تقتضي مناصرة فقط المنتمين والمتعاطفين مع التنظيم، وكل قضية تخرج عن هذا السياق تخضع للمصادرة، لكن كيف طرأ هذا التحول على مواقف العدل والاحسان، وتحولت بذلك إلى أشبه بشركة متعهدة للاحتجاجات والوقفات والمسيرات؟
الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية محمد ضريف يؤكد على أن هذا التحول ليس مزاجيا أو انطباعيا، وإنما فرضه الإحساس بالعزلة، حيث صارت الجماعة تبني وجودها وكذا تحركاتها على قضايا خصبة وقابلة على استيعاب بذور الاحتجاجات، وبالتالي يعد هذا التحول خروجا عن المألوف، لكنه يكرس أدبيات الجماعة يشدد ضريف.
سلوك عدواني
عضو العدل والإحسان السابق الذي تحدثت إليه المشعل عزا ضلوع الجماعة في مختلف الاحتجاجات، واتخاذها رهانا رابحا يضفي لها مكاسب شعبية، إلى وضعيتها الحالية، حيث وجدت نفسها في متاهة حقيقية يطبعها الاختلال واندثار حجمها، بعد انصراف عدد كبير من الموالين الذين اهتزت ثقتهم في هذا التنظيم المحظور، فكان ركوبها على مختلف الاحتجاجات وتأجيج شرارتها بمثابة سلوك عدواني اتجاه الدولة.
استغلال جماعة العدل والإحسان لاحتجاجات جرادة استغلالا سيئا، وقبلها قضية الأساتذة الراسبين في امتحانات وزارة التربية الوطنية، لا يشكل فقط منعطفا في سياسة الجماعة التي صارت قائمة على الانتعاش من الحركات الاحتجاجية، التي يمكن أن تقع حتى في أرقى الديمقراطية العالمية، بل يترجم النوايا العدوانية اتجاه الدولة، لأنها تجعل هذه الأخيرة موقع اتهام وشك في مستوى فعاليتها لتحقيق برنامجها التنموي بمنطقة جرادة، عبر تجاوبها مع مطالب المحتجين المعقولة، ووفق بديل تنموي تمت أجرأة العديد من خطواته، لكن العدل والإحسان سعت إلى زعزعة الأمن للحيلولة دون تزيله، وهنا يتضح أن التحول الذي طرأ على توجه الجماعة بركوبها على الاحتجاجات ما هو إلا قيمة انضافت إلى سلوكها العدواني، مع احتفاظها بعباءة الزمن الفائت.
على النحو ذاته أفاد مصدر مسؤول أن تورط العدل والإحسان في الأحداث الأخيرة التي عرفتها منطقة جرادة، ما هو إلا تكريس لمنطق التحريض الذي صارت تمتلك الجماعة أصله التجاري، واستغرب المصدر ذاته كيف للناطق الرسمي للعدل والإحسان أن ينفي ضلوع أتباع الجماعة في إشعال الفتنة، وتحريض بعض الشبان على القيام بأفعال تخريبية، والبيانات التي أصدرتها الجماعة في أعقاب هذه الأحداث تضمر حقدا وسموما للدولة.
كفى