كم مغربًا تعرفون؟ لا تقلْ واحدا فتصير من الذين يكذبون! هناك مغارب عدّة.. هناك مغرب الثّراء ومغرب العراء.. مغرب الأغنياء ومغرب الفقراء.. مغرب الباذخين ومغرب البائسين.. مغرب السّعداء ومغرب التعساء.. مغرب الأصحّاء لهم أطبّاء، ومغرب المرضى، والطبيب لديهم هو المشعوذ، والدواء هو دعوات الحبيب.. مغرب السائحين ومغرب اليائسين.. مغرب (امرْ تَعْملْ) ومغرب (سيرْ دَابَ انشوفْ).. ولكلٍّ مغربُه، يعيشه من خلال واقعه، وينظر إليه بمنظار حاله وأحواله، ثم [ديما مغرب!].. مغرب المنتظرين، هو المغرب الكبير، بمشاكله الكبرى، وإنجازاته الصغرى، لصالح الطبقات المسحوقة التي طالما انتظرتِ البشرى، فأعياها الانتظارُ وأشقاها، وقتلتْها الكلماتُ، وخيّبتْ آمالها الوعود، ولله نشكو ضرّكَ يا مغرب؛ يا عجوز أثقل الإملاقُ ممشاه، وكمْ مشروعا أُعلنَ عنه ثم طُوِيَ سجلُّه ولُهِف مبلغُه، ونُقِل إلى مثواه، فما أنقذه وزيرٌ منافقٌ أو برلمانيٌ كذّاب، وكم مشاريعَ وُئِدت، فما أحياها مرشحٌ، ولا أيقظها؛ ثم [ديما مغرب!]..
تنظر إلى المغرب من فوق من على متن (مروحية)، فماذا ترى، يا تُرى؟ ترى مغربًا ليس مغربَنا: فنادقه الفاخرة، مخصّصة للسياح النازلين من الباخرة؛ أما سفينة الكادحين، فهي دوما، أبدًا، في بحر المشاكل ماخرة؛ وقال الناسُ إلى أين هي سائرة؟ قُلِ اسْألوا مرشّح الدائرة، أو برلماني القبّة الحائرة، بين ملْء الجيب، والدفاع عن التقاعد، دون الشعور بحياء أو عَيْب، إنها الوطنية، ونكران الذات، والتضحية، ثم [ديما مغرب!].. ويقال لنا بلدُكم يحتذى في الديموقراطية، ومثالٌ يُقْتدى في التنمية، ونموذجٌ لامثيلَ له في التعددية، وكثرة الأحزاب الغثائية.. ويقال لنا بلادكم سياحية، ومن أجمل ما يوجد في الناحية؛ والسياحة استثمار، يساهم في الإعمار، ويجلب كافة عُملات الأقطار، من وراء البحار، ونسوا أو ربّما تناسوا، أن "ساعة" السياحة سريعة الاختلال، وازدهارُها معرّضٌ دوما للزوال في الحال أو الاستقبال، ومع ذلك قلنا لهم أهلا بالسياحة؛ فمغرب السياح بَنَيْتُموه، لكن أين هو مغرب المغاربة الأقحاح، (أولاد البلاد) الذين دفع آباؤهم أرواحهم فداءً لاستقلال البلاد؟ أمِن أجل الوزير صاحب الامتيازات؛ أمِن أجل البرلماني صاحب التقاعد مالت أجساد الشهداء في ساحة الأمجاد!؟
أهلُ البلاد، هم أولى بخيرات البلاد.. بنيتُم العمارات، وسرقتُم العقارات، وكدّستُم الدولارات، وهرَّبتُموها عبر خمس قارّات، وشيّدتُم الصروح، وزيّنتُموها بالإشهارات، ورفعتُم الأوتيلات، وما زلتُم، وزركشتُم الواجهات، وتفنّنتُم في تشييد الڤيلات، حيث استعبدتُم الطّفلات كخادمات؛ لكنْ ماذا فعلتم للإنسان غير الزج به في غياهب النسيان، وهو الأصل والدليل على تقدُّم الأمم والبلدان، لا بناء الأبراج والجدران.. ماذا حقّقتم للمغاربة غير الجود عليهم في الدعايات التلفزية، بأكذب الحكايات، وببرامج الضحك على الذقون، بمشاركة فنانات كاسدات في برامج [رشيد شو] بدل مقدِّم يذكّرنا بـ: [بيرنارد شو] الساخر من ألاعيب حكومات كاذبة، ووزراء (شوكولاطة)، و(أسرّة) مكاتب، وقصص (مجنون ليلى)، و(ليلة قتْل آيت الجيد)، وقصة (زنا الـمُغيرة بن شُعْبة)، ثم هاتْ يا (لالّة العروسة المنحوسة)، وهاتْ يا (نغْمة وأتاي) ثم هاتْ يا مهرجانات [العَيْطة، والدَّکة، وعَيُّوعَة، وشيخات، وحصص هزّ الأرداف، وتحريك الأكتاف] بدعوى الحفاظ على الموروث؛ ثم هات، وهات أموال تُصرَف على التفاهات؛ وفي ربوع الوطن تمتزج (العَيْطات بأنّات) الذين يموتون بالتقسيط بسبب البرد والإهمال، لولا أيادٍ كريمة بيضاء لجلالة الملك نصره الله، لكنْ بطانة السوء، ولا هي هنا..
ماذا أعددتُم لمغرب الغد بأحيائه البائسة، وجدرانه الباكية، وأزقّتِه المنسية، وذواتِه البشرية، بوعودكم البالية.. سوف تقولون إن تلكم أحياء شعبية، ينبغي أن تبقى كما هي، بأزقّتها الضيقة المتّسخة، وأرصفتها الوسخة، وجدرانها المتداعية، وساكنتِها المقهورة، كي يتمتّع السائح بمشاهد (قروسْطية)، ويأتي الباحثون في علم (الأنتروبولوجية)، ويختارها المخرجون لأفلام تاريخية، وتكون دعاية للمغرب الذي كلّ ما فيه ذوات وأدوات، وجهات، يعبق بالتاريخ، وعجائبه.. وهكذا؛ يعود السائح، والعالِم، والمخرج، كل واحد يحكي عن ماضٍ عريق، وإنسان يشبه الرقيق؛ ذاك هو مغربنا يتفرّج عليه الزائر، ويتفرّج على إنسانه الحائر، الذي ظل في الإهمال إلى ما فوق الأذنين غائر.. ما أجملك يا مغرب البيسينات؛ يا مغرب ملاعب الكولف والتنيس، والفروسية بأعشابها على الدوام مخضرة.. يا مغرب المهرجانات! يا مغرب الرّالي، والمراطون، يا مغرب الفنانات؛ يا مغرب المقاهي، والملاهي، وهي أكثر من المعاهد، والمصانع، والمستشفيات، والمدارس، ومراكز البحوث العلمية؛ يا مغرب الجرائم البشعة، والسرقات، والموبقات، والمتناقضات من خمّارات، ومساجد، وأحزاب، ومجالس علمية، وجمعيات، ومنظمات، ومدارس بلا تربية، أو علوم نفعية؛ يا مغرب وحدة الأضداد، والتناقضات، وتآلُفِها، ثم [ديما مغرب!]..
فارس محمد