لقد كانت تصريحات السيد بنكيران رئيس حكومة تنزيل دستور 2011 طوال حملته الانتخابية يصر على ضرورة تقليص عدد الحقائب الوزارية وذلك، حسب وجهة نظره، لضمان انسجام مكونات الحكومة والسرعة في التنفيذ وخصوصا تفادي تعدد وتداخل الاختصاصات وتفاديا كذلك للتبذير وسهولة المحاسبة كما صرح، محمد الخليفي المرتقب أن يعهد إليه منصب مدير ديوان السيد رئيس الحكومة، عند تطرقه لإشكالية الخارجية ومن ستتم محاسبته. وقد تم التأكيد على كون الحقائب الوزارية لن يتعدى عددها 15 حقيبة وزارية. كانت هذه التصريحات تلمح لشروق "ثورة" في مجال تدبير الشأن العمومي وما يلزمه من حسن التدبير مؤكدا كذلك على استعداده للمغادرة إذا ما تعرض لأية ضغوطات.
إلا أن مسيرة المفاوضات لضمان أغلبية مريحة تمكن، حسب رأي السيد رئيس الحكومة، من تفعيل برنامجه الاقتصادي والاجتماعي، قد عصفت بكل ما تم إيهام الشعب به. ذلك أنه، في غياب تجربة حزبه في مجال تدبير الشأن الحكومي، لم يكن يعلم أن المفاوضات ستتطلب منه تنازلات أي "المقابل" لكي يتم التحالف. والمقابل يتمثل في تبعثر نظرة لتوزيع الحقائب الوزارية وانعكاساتها السلبية على مبدأ تقليص عدد الوزراء وما ستتكلفه خزينة الدولة وما كان يدعيه من انسجام والسرعة في التفعيل والأداء. وها هي الهيكلة الحكومية تنتقل، بفعل الضغط الذي كان ينبذه السيد بنكيران، من 15 حقيبة إلى 25 تم إلى 30. والباقيات الآتيات. فمن السهل إذا الجزم بكون الموضوعية والمنطق العملي المنتظر بات حلما من زاوية أنكم إذا كنتم منذ البداية أعلنتم للرأي العام عن برنامج اقتصادي واجتماعي سيتم تفعيله من طرف 15 وزارة، فالواقع يثبت وجهتين واضحتين:
أولاهما كون الحزب لا يزال دون تجربة في مجال تدبير الشأن العام وبالتالي كان محتوما عليه أن يلتجأ لأحزاب لها تجربة قصد المساعدة والاستئناس لكون ثمة فرق شاسع بين الصراخ بالوعود والقدرة على التفعيل. علاوة على كون من استأنس بهم حزبكم من أحزاب سياسية قد أبانت عن فشلها وطالب الشارع بضرورة تغييرها. أعتقد أنه مأزق سياسي يا سيد بنكيران وأنتم مقبلون على فتح حوار مع فعاليات الشارع ومن بينها "حركة 20 فبراير".
ثانيهما وهذا أمر جلي وواضح أن الوزارات لن تكون وزارات ذات مجال محدد وفق برنامجكم الاقتصادي والاجتماعي وإنما ستكون وزارات للتراضي ولكسب التوافق. وهذا الأمر يتنافى وتعهداتكم بشأن محاربة التبدير والزبونية ومعانقة الشفافية.
ما أفلحتم فيه مشكورين يا سيد بنكيران كونكم استطعتم إفراغ حزب التقدم والاشتراكية (الحزب الشيوعي سابقا) من إيديولوجيته ومبادئه واستطعتم كذلك إبراز حقيقة بعض الأحزاب الهشة والانتهازية التي سرعان ما فضلت الانقلاب على تحالف G8 والهرولة إلى المناصب والمكاسب الوزارية. لا أعتقد أن حزبي الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري (بالرغم من أن سعي هذا الأخير جاء متأخرا وغير ذي وزن) كانا سيلجآن إلى حزبكم لو تمكن G8 من كسب استحقاقات نونبر. الجواب جلي لكونكم كنتم في المعارضة وتعلمون جيدا كيف كان موقف المشهد السياسي من تواجدكم ضمن فعالياته.
أما انسحاب حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وادعاءه بأنه فضل العودة للمعارضة بدعوى اعتبارات إيديولوجية وأخرى سياسية، فهذا الأمر فيه جدال لكون الانسحاب من الكتلة (مؤقتا) واختيار موقع المعارضة لم يكن بالأمر الهين. فأما إذا كانت لأسباب إيديولوجية، فهذا مجرد خطاب استهلاكي لكون مرجعيته الايديولوجية لا فرق بينها وبين مرجعية التقدم والاشتراكية في بعدها. أما الجانب السياسي، فهو راجع إلى ادعاء بعض أعضاءه إلى تقوية صفوفه ربما بإعادة النظر في هياكله السياسية والتنفيذية ومحاولة التنسيق مع الجناح اليساري للأصالة والمعاصرة مع محاولة استقطاب المنشقين عن الحزب. كما لا يجب أن نتناسى، وهذه وجهة نظر، إذا ما رجعت بنا الذاكرة إلى تصريحات حسن طارق بخصوص حركة 20 فبراير وإشارته إلى عدم رغبة المشهد السياسي في أن تتحول هذه الحركة إلى حزب سياسي بمعنى إبقاءها "جيش احتياط" يستعان بها عند الحاجة، ربما قد يكون رجوع الاتحاد الاشتراكي للمعارضة بغرض امتصاص هذه الحركة وتقوية صفوفه بها. في المجال السياسي الكل ممكن والكل متاح. أما الأحزاب الصغرى فبعد سقوط "متزعمها" مزوار الذي نعته عباس الفاسي ب"الناقص سياسيا"، فقد نبذت ميثاقها وأعلنت مساندتها "الرخيصة" للعدالة والتنمية.
وبخصوص التصريحات الأخيرة للسيد مزوار بخصوص ملفات الفساد التي سادت حقبة عباس الفاسي أو حكومته، أعتقد أنه من واجب السيد بنكيران التحقيق في هذا الموضوع لكونه يدخل في مجال محاربة الفساد الذي ما فتئ يعد المواطنين به أثناء حملته الانتخابية. فإما أن يقوم مزوار بالكشف عن ملفات الفساد وإما ستعتبر ادعاءاته هاته بمثابة نهايته السياسية. أما التستر عن هذه الملفات، فهو بمثابة نقطة سوداء يفتتح بها السيد بنكيران ولايته. أو أن لدى السيد بنكيران وجهة نظر اخرى يختزل بها الفساد فيما هو آت مستقبلا ولا شأن له فيما مضى وقضي ليس بفعل القانون والعدالة ولكن بفعل التستر. ومن المحتمل أن يتم طي هذه القضية كما طويت قضايا أخرى تجنبا لتفكك حكومة ما زالت في طور النقاشات.
لقد صوتت على حزبك شريحة مهمة من الشعب المغربي لتحمل المسؤولية، مسؤولية كان حزبكم يعلم بتفشيها في المجتمع المغربي كالتبذير وغياب العدالة والفساد واقتصاد الريع وإشكاليتي الصحة والتربية والتعليم وغيرها من القطاعات التي لا تنتج وإنما تنخر الناتج الوطني أي ثروة الشعب المغربي، وبالتالي فليس من حقك يا سيد بنكيران التهديد ب"إيداع المفاتيح والذهاب" كما تقول. لقد اخترت هذا السبيل وأقنعت الشعب المغربي بقدرتك على حسن تدبيره وتخطي كل الصعاب وضمان العيش الكريم للمواطن المغربي، فها هو المجال الاقتصادي والاجتماعي بين يدي حزبك وأهداك تدبيره الشعب المغربي وأعتقد أنه لا ينتظر منك سماع موال "لا أملك العصا السحرية" لكون الشعب المغربي يعلم أنه ثمة إجراءات يمكن تفعيلها في المدى القريب جدا ولا تحتاج إلى عصا سحرية. أما إلقاء "المفاتيح والذهاب" فهي بمثابة ضربة قاضية وهزيمة ليس فقط لمناضلي الحزب ولكن حتى لمن يتعاطف مع حزبك وصوت عليه "ضدا" على سوء مردودية الأحزاب الأخرى التي مارست الشأن العام أو لمن صوت على حزبك فقط لإعطاءه الفرصة كباقي الأحزاب لتدبيره بكيفيته الشأن العام.