مرة أخرى نجد أنفسنا في هاته الصحيفة مضطرين للحديث عن غياب دور الأحزاب السياسي في تأطير نضالات الشعب وحركاته الاحتجاجية، وذلك على ضوء ما يجري في مدينة جرادة. المدينة العمالية سابقا تعيش اليوم على وقع احتجاجات ترفع في عنوانها المطلب الاجتماعي المحض. كان على الأحزاب السياسية أن تكون وسط المعمعة وهي المؤهلة بحكم التكوين والتجربة على صياغة المطالب بطريقة علمية وهي التي كان عليها أن تقوم بتأطير الشباب كي يعرف أصول التفاوض.
الأحزاب في جرادة منقسمة اليوم إلى شقين. أحزاب سياسية تخلت عن وظيفتها الأساسية، والتي على أساسها هي موجودة، كما منحها الدستور مكانة رفيعة وأوجب تخصيصها بمبالغ مالية سنوية تتمكن بواسطتها من القيام بواجبها، غير أنها استقالت من مهمة تأطير الشباب بل قيادة نضالاته، لا يختلف في ذلك حزب في المعارضة مع حزب موجود في الحكومة.
بل إننا نجد أحزابا في الحكومة تقوم هي أيضا بالفاعل السري في تأجيج الأوضاع، وتكلفة هذه الاستقالة ستكون كبيرة على المجتمع والدولة والأحزاب نفسها، وكانت هذه الحراكات الاجتماعية مناسبتها الأساسية لاستعادة مصداقيتها التي فقدتها نتيجة تحولها من أحزاب النضال الطوعي إلى أحزاب المصالح والتسلق الاجتماعي.
أما الصنف الثاني من الأحزاب، ويضم بقايا اليسار العدمي وجماعة العدل والإحسان وتيارات أخرى، وهي أحزاب لا يهمها تأطير الشارع بقدر ما يهمها انهيار الشارع لفائدة الفوضى، وانضم إلى هذه المجموعة، حزب اليسار الاشتراكي الموحد، الذي لم يعد يميز بين حزب الثورة وحزب المؤسسات، مع العلم أنه يتوفر على برلمانيين اثنين وكان بمكنته الحصول على أكثر لو أدار الحملة الانتخابية بشكل مختلف وهيأ الشروط الضرورية لدخول غمار الانتخابات، كما يتوفر على عدد من المنتخبين الجماعيين ويترأس بضع جماعات. بمعنى هو حزب المؤسسات يمارس دوره في المعارضة.
لكن للأسف الشديد نسي كل الأدوات التي يمتلك ويمنحها إياه الدستور والقانون، ومارس وظيفة الأحزاب والتيارات التي تؤمن بالمؤسسات، فالبرلماني، المعروف بالبودكاستر السياسي، كان بإمكانه مساءلة الحكومة عن طريق الأسئلة الكتابية ومحاورة الوزراء المعنيين بحل المشكل ومقابلة رئيس الحكومة أيضا، لكنه فضل الذهاب بنفسه إلى عين المكان، وهو عمل جيد لو رافقته المسؤولية والموضوعية.
زيارته للمنطقة كان ينبغي أن تسير في اتجاه معرفة حقائق الواقع وتقديم الحلول الإيجابية لإيجاد مخرج للأزمة، التي تهم كافة المغاربة بالنتيجة، لكنه مارس التضليل في اتجاه مزيد من صب الزيت على النار. بدل أن يعرف ما يجري على أرض الواقع قال إن عدد رجال الأمن بجرادة أكثر من الساكنة. مبالغة خطيرة من نوع المغالطات التي يمارسها دعاة الفتنة حتى لا تهدأ الأوضاع.
الأحزاب، سواء كانت في الحكومة أو في المعارضة أو حتى خارج المؤسسات، ومن موقع المسؤولية التاريخية والمصداقية، عليها أن تميز بين الاحتجاجات الاجتماعية وسوق الاحتجاجات، أي عندما تتحول المطالب الاجتماعية إلى سلعة تباع وتشترى لمن يدفع أكثر حتى لو على حساب الوطن بأكمله.
Annahar almaghribiya