تعكس تفاعلات الجماهير ورواد مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، عند كل حدث يستأثر باهتمام الرأي العام، حالة المجتمع عموما وتوجهاته الكبرى. وعلى كل حال فالقصد هنا، ليس الحلول مكان العدالة للنطق بالأحكام في قضية معروضة على هيئة القضاء، قضية توفيق بوعشرين تحديدا، المشتبه به الذي مازال يتمتع بقرينة البراءة لحد الساعة.
التفاعل اللاعقلاني مع القضية مقلق للغاية، لأنه يكشف عن الوجه الحقيقي لمجتمعنا العامر بالأحقاد، بدون أدنى اعتبار للقيم المؤسسة للعيش المشترك، ولا للقيم التي تشكل أركان البناء الديمقراطي الحقيقي. المفارقة تبدو جلية عندما نقارن ما يقع عندنا، مع ما يجري على المستوى الدولي. فبينما هناك، يحتفى فعلا بحق المرأة في التعبير الحر، ويوضع كأولوية لا محيد عنها، هنا يحصل العكس تماما. في هذه الحالة لدينا نساء ضحايا اعتداءات مفترضة، وضعن شكاياتهن أمام العدالة، ومع ذلك يوصمن ب‘‘العاهرات‘‘ على نطاق واسع.
هذا الكم الكبير من الكراهية بلغ حدا لا يطاق، ويأخذ أبعادا أكبر عندما تدافع نساء ذات مناصب سياسية، ملتزمات إلى أقصى حد، عندما يتعلق الأمر بالاستفادة المباشرة من الريع، عن المعتدي المشتبه به، ولا ترين في سير العدالة ولا في معاناة الضحايا، سوى مؤامرة كبيرة.
الحديث عن المؤامرة، أو التآمر، ليس سوى الجزء الظاهر من جبل الثلج. لفهم الظاهرة يجب التعمق أكثر في مفهوم القيم التي تؤسس مجتمعنا. هل يحق لسيدة، كانت لها علاقة أو علاقات خارج بيت الزوجية، أن تقول لا ؟ هل يحق لمالك مؤسسة أن يفعل في موظفاته ما يشاء، متى شاء ؟ هل يحق لسيدة، تعتبر أنها كانت موضوع اعتداء جنسي أن ترفع قضيتها في المحاكم بغض النظر عن باقي الاعتبارات ؟ في المغرب الجواب هو لا. لأن الأحكام المسبقة ونوايا التلفيق تنتصر دائما. ليس هناك احترام لأي شيء في هذا الباب. دولة الحق والقانون تصبح مرفوضة، على الرغم من كونها عماد كل بناء ديمقراطي.
المحامي هو آخر قلاع الدفاع عن المتهم، وهو أحد أركان العدالة، بحكم دوره المحوري في إحقاق الحق. لكن عندما يتهم محامي مؤسسة النيابة العامة بتزوير الدلائل، فإما أنه على حق وعليه فنحن نعيش جميعا في ديكتاتورية مطلقة، وإما أن تصريحاته مغلوطة و تستوجب متابعته قانونيا.
سياق الكراهية العام في مواقع التواصل الاجتماعي هو الذي سمح لمثل هذه التجاوزات بأن تصبح حقيقة. كراهية المرأة أولا، ليس لأسباب دينية لأن هذه الأسباب تعبر عن نفسها في أشكال أخرى، ولكن لأسباب جنسية. تعامل المرأة مع جسدها، وطريقتها في التعبير به، تأجج الاستيهامات الأكثر عنفا، لأنه من ‘‘ المفروض‘‘ أن الرجل، والرجل فقط، هو من له الحق في امتلاك ذلك الجسد. وأن يلتحق القادة السياسيون بركب الخائضين في هذا الملف، تحت ذريعة استصدار عفو ملكي لأمر مؤسف إلى أبعد حد. فتصنيف أي شخص في خانة المعارضة، سواء كان صحفيا أو كاتب رأي، لا يعفيه من المسائلة القانونية.
كراهية المرأة، الإحساس بالمرارة تجاه المخزن، التآمر، فقدان الارتباط بأدنى القيم، العنف الشديد، رفض كل نقاش، رفض القوانين... هو مجموع ما تعكسه نوعيات التعابير المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة.
إنها حالة مجتمع تسيطر عليه الأحكام المسبقة والموجهة عندما يرغب في التعبير عن ذاته. الأدهى من كل هذا، أن الحالة تعبر أيضا عن رفض عميق لكل أشكال الحداثة وقيم العيش المشترك، ودولة القانون، ما يجعلها مؤهلة لاستنبات كل الأفكار المدمرة، وهو أمر مقلق جدا.
من مسؤوليات السياسيين فرض احترام القانون على الجميع، ودولة الحق، وقطع الطريق على دكتاتورية الأنترنيت. مسؤوليتنا أيضا نحن، كمجتمع، تكمن في الدفاع عن المبادئ، وتحديدا القيم المؤسسة لبناء مجتمع لا تنتصر فيه الإحباطات على العقل.