لا أخفيك سرّا سيدي القارئ الكريم، إذا قلتُ لك إني كنت لا أتمنى وصولَ [بوتين] إلى سدة الحكم في [روسيا]، لأني كنت معجبا برجل آخر كانت كل الأوساط ترشّحه لهذا المنصب، ويتعلق الأمر بالجنيرال الناجح والوطني الصادق، والمسيحي المفعم [أليكساندر ليبيد] الذي نجح في إيقاف حرب [أفغانستان]، وكان الكل يثق به، ويصدقه، كما أنه عندما عزم على خوض الانتخابات الرئاسية، أقسم على الكتاب المقدّس بأن يقطع أيدي اللصوص، والفاسدين حيثما وُجِدوا في [روسيا]؛ لكنّ حادثة طائرة مروحية مشكوك فيها، أودت بحياته، وقد آلمني جدّا رحيلُه، ولكنْ مثل هؤلاء لا يستطيل بهم العمرُ بيننا عكْس الفاسدين الذين يعمّرون طويلا في هذه الدنيا المليئة بالمظاهر [اللامعقولة] على حدّ تعبير [ألبير كامي] أديب [اللامعقول] وهو فيلسوف وجودي، وإن كان يرفض تسميتَه بذلك، وهو أصغرُ حائزٍ على جائزة [نوبل] عن روايته [الغريب]..
لكنّ رأيي تغيّر تجاه [بوتين] الذي نقل [روسيا] في ظرف عشر سنوات إلى مستوى يليق بها، وقد كانت مرتعًا للأمريكان، إلى درجة أنّ مدير [السِّي ـ آي ــ إي] الأسبق [ويليام كولبي] كان يتجوّل منتشيًا في الساحة الحمراء أيام الداعر [يلتسين]، على اعتبار أنّ سقوط [الاتحاد السوڤياتي] هو إنجاز من صنْع المخابرات الأمريكية، فيما سقوط [الاتحاد] كان نتيجة حتمية لفساد نخر دواخل الدولة الشيوعية، وكان السقوط متوقّعًا منذ عشرات السنين، لأن نتائج الفساد معروفة دائما وموصوفة، رغم بطئها.. غيرتُ رأيي لموقفه الرافض للشذوذ الجنسي في [روسيا]، حيث اعتبر الشواذ مجرّد حثالة، ونفايات بشرية، وقال في تصريح تلفزي: [أي شاذ ظهر في شوارع (روسيا) سأسحقُه حفاظا على أخلاق، وأصالة، وقيم الشعب الروسي؛ هذه القيم التي بفضلها هُزِم الأتراك، والفرنسيون، والنازيون].. وهكذا تبيَّن لي أن [بوتين] يختلف عن الفاسق [راسبوتين] مفسد [روسيا] القيصرية.. إن [بوتين] صاحب العينين المغوليتين، يختلف عن [يلتسين] الدّاعر؛ وعن [أوباما] المنحلّ؛ وعن [هولاند] قاهر العمّال ومساند الشواذ؛ وعن [ماكرون] البهلوان؛ وعن الأخرق [ترامب]؛ وعن السلطان [أردوغان].. نعم؛ إن الدّب الروسي أكثر وطنية وأصالة من الخنزير الغربي القَذِر، لقد كان الدب الروسي هو من يتكفّل بجرحى الأتراك، ومعطوبي (نابليون) ومصعوقي [هتلر]، فكان يفترسهم بلا رحمة بعد المعارك الضارية؛ فهو أنبل من الخنزير الشاذ.. لهذه الأسباب، ترى الغربَ ينادي بانتخابات ديموقراطية حتى يحل مكان [بوتين] ديموقراطيٌ عميل للأمريكان، فيُطْلعهم على الأسرار العلمية الروسية، ويستورد أخلاقهم، ومناكرهم، باسم التفتح، والحرية؛ لكنّ [بوتين] لا يعبأ بالمنظمات الغربية، فالروس، كما قال، هم أعرف بمصالح بلدهم، و[روسيا] لن ترضخ لأية إملاءات أجنبية..
لكنْ، وماذا عن بلدي هذا؟ منذ شهرين تقريبا، بعث جلالة الملك نصره الله برسالة إلى المجلس العلمي الأعلى يحثّه فيها على الحفاظ على الثوابت، والقيم، والأخلاق؛ ومباشرة بعد هذه الرسالة السامية، ظهر [كعْبُ الأحبار] وابنُه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: [الوزَغُ ابنُ الوزغ].. فبدأ الوزغُ ينادي بإباحة الشذوذ الجنسي، وجعْله مادّةً تُدرّس للأطفال في المدارس معتبرًا الشذوذ الجنسي (حريةً للجسد) وهو حقٌّ مكفول لكل شاذ جنسيا، رجلاً كان أوِ امرأة، فيما ابنُه أخرج فيلما داعرا لتطبيع الفسق، ونشْر القاذورات، ومحْق القيم، وكأنه يقول للمنظمات الهدّامة: [نحن هنا، ولن نخيّب ثقتَكم فينا]؛ لكنّ الغريب في الأمر، هو صمتُ الأموات في المجلس العلمي الأعلى، وكأنّ الأمر لا يعنيه؛ ونحن نتساءل عن مهمّته في بلاد المسلمين، ومقابل ماذا يتقاضى أعضاؤه الملايين من أموال الأمّة.. كان على المجلس العلمي، لكي يستحق شرفَ لقبه، أن يتصدّى لهذه الدعوات التي تمس بقيم، وثوابت الأمة، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، وأن يُلْقِمَ الحجرَ (الوزغ وابنُه الوزغ)، ولكنْ لا حياة لمن تنادي؛ واحرّ قلباه! أما عن (حرية الجسد)، فالجسد لا حرية له؛ بل هو مصدر العبودية، والفُسوق، ونهايتُه هو أن يكون وليمةً لديدان القبر، وخِدمتُه هي خسران، ومطالبُه شرٌّ وهوان: قال الشاعر:
يا خادمَ الجسد كَمْ تشقى في خدمته * تطلب الرّبحَ ممّا فيه خسران..
أقبِلْ على النفس واسْتكْمِلْ فضائلَها * فأنت حيّ بالنفس لا بالجسد..
إلى اللقاء غدًا معشر السادة القراء الكرام، وشكرًا على اهتمامكم، وجازاكمُ الله خيرًا؛ آمين!
فارس محمد