في سنة [2001] كتبتُ في إحدى الجرائد الوطنية، مقالا مثيرا، استغرب له الناسُ إلى درجة أن منهم من رماني بالجنون؛ أما بعض رجال السلطة البسطاء فقد ألصقوا بي تهمة إشاعة الكذب، وصاغوا لي محضرا في الموضوع عن وطنية وحُسن نية، وأنا لا ألومهم، وكان عنوان هذا المقال الغريب هو: [الشواذ قادمون]، وهو عنوان استنبطتُه من عنوان فيلم عربي: [الأقزام قادمون]؛ وقد أخذ رجال السلطة آنذاك تعهّدا بأن لا أعود إلى كتابة مقالة أخرى في هذا الموضوع.. ولـمّا كانوا يستنطقونني، كان في (شكّارتي) دلائل أخرى دامغة، وعناوين للشواذ، وأسماء مَن يساندونهم عبر العالم، بالإضافة إلى تفاصيل وحقائق حول مؤتمرهم العالمي في [ريّو] بالبرازيل؛ وما إنْ خرجتُ حتى صغتُ مقالة مفصّلة في الموضوع؛ وقبل نشْر المقالة، خرج الشواذُ عن صمتهم، وتجمْهروا أمام البرلمان، وكانوا يودّون القيامَ باستعراضٍ على ظهور الجِمال، وبواسطة الدراجات النارية.. نُشِر المقالُ، وتزامن مع تحرّكات الشواذ، ومساندة جهاتٍ أجنبية على رأسها [جون دولانوي] عمدة [باريس] آنذاك؛ فمن الناس مَنِ اعتذر لي، ومنهم من صمت، لكنّ زعيمَ الشواذ وصفني بكوني [وغدًا]، فيما لقّبني أصدقائي بـ[عدوّ الشواذ]؛ لكنّي ما كنت أودّ الظهور في ثوب البطل، وإنما هدفي هو حماية وطني من مخاطر هذه الظاهرة الهدّامة، وأنا أعرف مَن وراءها، وماذا يريدون بها بدعوى [حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات، والحريات الخاصة] وقسْ على ذلك، ممّا يختبئون وراءه لنفْث هذه السموم القاتلة في الأمّة..
الشذوذ عُرف عبر التاريخ، وكان سببا في دمار أمم، وخرابِ أخرى، لكنه أبدا لم يُقَنّـنْ ولم يُشرعَنْ، وإنما غُضّ الطرف عنه حتى أدى إلى الهاوية؛ بل إن أخلاق بعض الأمم رفضتْه، وجرّمتْه، فكان كلّ مَن ابتُليَ به يستتر حتى أصبح من الحقوق المعترف بها قانونيا ومن الحريات المشروعة في القرن الواحد بعد العشرين، ولم تعدِ المنظمات تخجل من طرحه، والدفاع عنه في المحافل.. في سنة [1938]، قام مراهق يهودي يُدْعى [هيرشل كروسباند] بقتل موظّف سامٍ في السفارة الألمانية في [باريس]؛ فأمر [هتلر] وزيرَه في الإعلام المدعو [غوبلز] بالإعداد لمحاكمة كبيرة، لكنّ اليهودي المحامي نصح القاتلَ بالادّعاء أنّ علاقتَه بالموظف المغتال كانت علاقةَ (شذوذ جنسي)، فرفض [كروسباند] نصيحة محاميه، لأن الأمر يتعلق بشرفه، لكنّه قبل المقترحَ للإفلات من حبل المشنقة، وكتب رسالةً أملاها عليه المحامي صاحبُ الفكرة، ولـمّا وصلتْ هذه الرسالة إلى [برلين] توقّف الإعدادُ للمحاكمة، حفاظا على شرف [ألمانيا] واعتُمدت طرقٌ أخرى للتخلص من القاتل؛ وتلكم قصةٌ أخرى.. هذا يبيّن أن الشذوذ كان مذموما اجتماعيا..
في سنة [1941] فرضت الغواصاتُ الألمانية حصارًا، فمنعت مرور السلع والأسلحة عبر المحيط الأطلسي من أمريكا إلى بريطانيا، بل إن غواصة ألمانية ضربتْ في منتصف الليل ميناءَ [نيويورك] في عملية سُمِّيت [بونغ شلاغ] أي [دقّ الطبول]، وكانت الغواصات الألمانية تتلقى الأوامر عبر آلة تشفير تسمّى [إينيغما]، وكان لابد للحلفاء من حلّ شيفْرة هذا الجهاز للقضاء على خطر الغواصات النازية [يو ــ بوت] أي [سفينة تحت الماء]؛ كان عالمُ الرياضات العبقري البريطاني الدكتور [تورينغ] هو من تكفّل بالأمر في [بلتشلي بارك] في ضواحي [لندن]، فنجح في فكّ شيفْرة [إينيغما] الألمانية، وانتصر الحلفاءُ على الغواصات النازية، وصارت الملاحة آمنة.. وفي سنة [1950] اكتُشِف أن الدكتور [تورينغ] كان مصابا بالشذوذ الجنسي، وكان المجتمع البريطاني مثْله مثْل نظيره الألماني يمقت الشذوذَ الجنسي؛ وقبل استنطاقه من طرف لجنة أقدم [تورينغ] على الانتحار تفاديا للفضيحة.. وفي العصر العباسي كان العالمُ، والمفسِّر، والقاضي [يحيا بن الأكتم] ألْوط قاضٍ عرفه عصرُه، وكان يبيح الشذوذَ بتأويل الآيات، وفرض عقوبات على كل مَن يسخر من الشواذ، وقد صاروا قادة، ووزراء، وتجارا.. لما أراد الفاطميون اكتساح [مصر]، بلغ إلى علم [المعزّ] أن ابنة [الإخشيد] حاكِم البلاد كانت تمارس الشذوذ في القصر، ففرح وقال: [هذه علامة السقوط]، مما يبين أن الشذوذ هو أخطر من أسلحة الدمار الشامل، وإلاّ لماذا لم تنهض [اليونان] بعدما أسقطها الشذوذ، ونهضت [اليابان] من رماد قنبلتين ذَرّيتين، وما زال في اليونان إلى اليوم دليلُ سقوطها، وهي جزيرة [ليسبوس]، ومنها اشتقّت تسميةُ النساء الشاذات [les lesbiennes]، وجميع المصطلحات التي تدل على الفسق أصلُها يوناني مثل [إيروس] أي إلاه الحبّ و[ڤينوس] وغيرهما.. وبما أن الشذوذ يفتك بالأمم، فتختفي منها الرجولةُ، والشرف، والشجاعة، فإن كل المنظمات الهدّامة تعتمده لتفكيك المجتمعات؛ لكن من هي هذه المنظمات؟ الجواب غدا إن شاء الله..
فارس محمد