طه لمخير
جائـعٌ ؟!
هَـلْ كُلُّ مَـنْ أغمَـدتَ فيهِـمْ قَلَمكْ
لمْ يسـدّوا نَهَمَـك ؟!
تطلبُ الرّحمـةَ ؟
مِمَّـنْ ؟
أنتَ لـمْ ترحَـمْ بتقريرِكَ
حـتى رَحِمَـكْ !
كُلُّ مَـنْ تشكـو إليهِـمْ
دَمُهم يشكـو فَمَـكْ !
كيفَ تُبـدي نَدَمكْ ؟
سَمَـكاً كُنتمْ
وَمَـنْ لم تلتَهمـهُ التَهَمَـكْ ؟
ذُقْ، إذنْ، طعـمَ قوانيـنِ السّمَـكْ .
هاهـوَ القِرشُ الذي سـوّاكَ طُعْمـاً
حينَ لم يبقَ سِـواكَ استَطْعَمَكْ !
أحمد مطر
**
نتناول في هذا المقال أمثلة منتعارض الأقوال والأفعال، لنستحضر أجواء الإلهام التي كانت تجلل بوعشرين وهو يدبج مقالاته، غالبية هذه المقالات -في ظني- كانت تنشأ بعد جلسات الصعق الجنسي بعد التاسعة ليلا..فترة ارتخاء وصفاء بعد مجهود جنسي عضلي، وانتشاء حالم، يمهد النفس والروح لتنسيق الأفكار وتجويد الأسلوب وحسن التخلص إلى الغرض..
على سبيل المثال وحسب ما تسرب من محاضر التحقيق؛ الفيديوالمؤرخ ب 3 نونبر2017 يظهر فيه المتهم وهو يمارس الجنس في نفس اللحظة مع امرأتين إحداهما حامل ..مقاله في ذات اليوم اختار له عنوان:"ليست لنا أوهام.." مما جاء فيه:"لا عتاب شخصي على أحد منذ عقود، والبلد يصب الماء في الطاحونة.. الكعكة صغيرة، وكيفما قسمتها فلن ترضي أحدا، لأن المغرب يدبر الندرة ولا يوزع الوفرة، يدير الأزمة ولا يحلها".
لكن بوعشرين لا يرضى إلا "بكعكتين" لا واحدة ويعالج أزمتين ناعمتين بحل واحد وهذا تمام التدبير في الاقتصاد..عندما تنفصل الأخلاق عن روح النقد، وتصبح مقالات الصحافي أسلحة مجردة عن الرقابة الذاتية، وكلمات ممضوغة مطبوعة على اللؤم، وتصبح المبادئ الكونية وقيم العدل والحريات وفلسفة الإعلام مجرد تكتيكات لتمرير الطعنات لأشخاص وهيئات بعينها لأغراض أيديولوجية توسعية تخدم أجندات مشرقية من غير التفات إلى مصلحة البلد، هنا نسأل عن الواجب المهني..
في حين يمارس "المصلح الاجتماعي" عوارض الانحراف أبشع مما ينهى عنه، وفِي المكتب الذي يدون فيه تلك المقالات؛ فنحن أمام جرائم حرب صحفية، وانفصام حاد في الشخصية بين أفعالها السرية وخطابها العلني اليوتوبي، بين مثالية الأفكار وهمجية الأسرار، بين المحاضرة في الشرف والإغراق في القرف، بين تقديس القانون وتدنيسه في آن واحد، وهنا نسآل النفسي والسيكولوجي..
في فيديو مؤرخ ب12 يناير2018 يظهر فيه الرجل وهو يجبر إحدى الضحايا على ممارسة الجنس الفموي معه ثم يكتب في نفس اليوم مقالا بعنوان :"ماذا وراء هروب العثماني من الكلام" ويكيل المديح إلى ابن كيران الذي يصوره بمثابة الزعيم الذي نزل من السماءفغُدر به،والشريف الذي تكالب عليه "ولاد لحرام"، وسقط واقفاوهو يترك كرسيا فضفاضا واسعا على خلفه، رغم أن ابن كيران كان طبلا أجوف، و فضيحة دولية للمغرب، وعرّة وزراء البلد، وأقلهم ثقافة وأفلُّهم عزما وأعياهم لغةبين كل من تقلد رئاسة الحكومة منذ الاستقلال..
لكن بوعشرين-وهو من غلاة العدميين- كان يصر على ترويج المنتوج الزائف في صورة السياسي ذي المبادئ والمارد الجبار الذي ترتعد له فرائص الأحزاب ورجالاتها، وأن إعفاءه من الحكومة خسارة للشعب ورزاءة للوطن، وشيّع خروجه بمقالات جنائزية نائحة تفيض بالتواجد والحسرة فيما يشبه سكرة صوفية حتى أصبح بن كيران لو قيل له أنت من أوتاد الأرض لصدّق..
بينما يلبس بوعشرين ثوب المسيح المخلص، ويرفل في المجتمع في جبة راهب الدير الزاهد..امتزاج الفضائل والرذائل، الطهر والسمو بالدناءة والخسة، الملاك البريء بالشيطان القذر؛ هي في حد ذاتها أمارات نبوغ وعبقرية في خداع الناس..وقد قال الحكماء والمجربون: تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وتستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت..
إن الشعور الذي يمنحه الاستعباد الجنسي للمغتصب شعور بالغ الطغيان والفتنة والتملُّك..الرجل الذي عاش ريعان شبابه تصده النساء وربما يسخرن منه فإنه عندما يقف على أرض السلطة ويصبح رئيسا على أجملهن جسدا وأكثرهن ثقافة وأعلاهن طبقة وأغنجهن شخصية؛ تعاوده رغبة جامحة في الانتقام ثم يصبح إدمانا مستحكما وداء مزمنا..
يتلذذ المرء المريض برؤية الشواب الحسان اللواتي لم يكنّليمنحنه وقتا وينظرن إليه شزرا؛جاثيات الركب وهن "يمصصن" عضوه الذكري بمنتهى المهانة لا يحتمل منهن كلمة" لا".. ولا يرضى من مستخدماته إلا كلمات ثلاث: "أنا تحت أمرك"..تعود ذكريات الطفولة المعذبة والشبيبة المحرومة فيكون الانتقام أشد ضراوة وأمعن في الاحتقار..
يضاجع أخريات في وضعية الكلب على أربع وهو يركبهن ركوب الدواب المسخرة..وضعية السيطرة التامة والخضوع المطلق..نيرون "الأحباس" في قمة سلطته يوزع شبقه على المعذبات..وتبلغ به النشوة المريضة وتهيج فيه الغريزة والفانتازيا الشاذة عندما تكون إحداهن حبلى أو متزوجة، بل يسعى بنفسه في زواجها ثم يضاجعها ليشعر بدلائل فحولته وغزوه المظفر لعرض رجل آخر لا يستطيع أن يحمي زوجته من نزوات طاغيتها في العمل..
إن بعض الحالات الجنسية حسب الدراسات في هذا المجال؛ تشير إلى أن الممارس لا ينتصب وتقوم فيه دواعي الرغبة إلا إذا عذب المرأة أو شعر بأنها ضعيفة مهانة تحته وقد يطالب الضحية بإهانته، لون من السادو-مازوشية..يدافع بوعشرين عن الفقراء والمساكين من أبناء الشعب وفِي ذات الوقت لا يتورع عن انتهاك أعراض بناتهن وأخواتهن..
فما هي الحقيقة؟ وهل للأشياء والأشخاص حقائق واحدة أم أن حقائقهم تختلف باختلاف زاوية النظر، فعندما تنكشف لنا صدفة زاوية جديدة تظهر لنا مناظر صادمة وغريبة..!!
إن الشخص ينبغي أن يكون متصالحا مع نفسه ومبادئه؛ فإذا كان إسلامويا فينبغي أن يلتزم بإسلامويته حتى النهاية، وإذا كان ليبراليا فيجدر به أن يلتزم بليبراليته ويناضل عنها، وإذا كان بوهيميا كان متوافقا مع بوهيميته مقتنعا بفلسفتها، أو نِهِلستيّاً رفع بمذهبه رأسا، في السر والعلانية، في الشدة والرخاء، خارج القضبان وداخلها، وعلى تلك المبادئ التي ارتضاها ودافع عنها يحاسب ويجازى، أما أن يتبرأ منها بعد أن ينكشف سره ويلجأ إلى مبادئ كان يزري بها ويعيب عليها لأنها باتت أقرب الطرق إلى النجاة وحفظ ماء الوجه؛ فذلك ارتعاشٌ جبان، ورِقّةٌ في المعتقد، وتذبذب من علامات النفاق والانتهازية..
وبيت القصيد أن السلطة التي كان ينتقدها بوعشرين(دفاعا عن أخْوَنة مؤسسات الحكم وسعيا لإضعاف الدولة المغربية التي ظن أن فيها ثُلْما يمكن أن ينفذ منه التنظيم الإرهابي المُقنّع في غفلة من حارس الحصن لحكم البلاد بالشرائع القطبية الشمولية، كما حاول جواسيس جماعة العدل والإحسان التسلّل إلى مناصب حساسة في الدولة لتدجينها)؛كان هو يمثل في نفسه مثالا لطبائع الاستبداد في عقر جريدته وصومعته التي يتعبد فيها وينظر لأخلاق السياسة وأهل السياسة، والاقتصاد وأهل الاقتصاد، والفلسفة وأهل الفلسفة، والفقه وأهل الفقه، والنجارة وأهل النجارة، وفيزياء الكم وأهل فيزياء الكم،يتكلم ويثرثر في كل شيء ينمو ويتنفس إلا في شرف المهنة التي يمارسها، وأخص خصائصها الصدق مع النفس، وجعلُ القلم رِدْءاً للضمير، والفكرة انعكاسا لنقاء الوجدان، والتنظير جزء من الممارسة الذاتية..
قال إخواني لصاحبه: هل ينام المخزن؟ أجابه الآخر: لو نام لحظة لفتحنا هذا البلد..
ولله الأمر من قبل ومن بعد.