عندما انطلق مسلسل [الترويع العربي] من [كديم إيزيك] بصحرائنا، تحمّس له (الإخوانيون) ، تلامذة [البصري] الذي توّج نهاية حياته بخيانته لوطنه، وارتمائه في أحضان خصوم وحدتنا الترابية، وقد كان [الداودي] المكلّف الآن بالحكامة يفسّر الأحداث بالتهميش، والإهمال، والبطالة، حتى قال: [وهل مهرجانات موسيقية، هي التي ستخفي واقع البلاد المتردّي؟].. ونحن نعرف سياستَه عندما صار وزيرا للتعليم العالي، حيث قال قولتَه الشهيرة: [من أراد أن يدرُس أبناؤُه، فليعتمدْ على جيبه]، وكانت تلكم الإرهاصات الأولى لضرب مجانية التعليم، وهو الآن في [الحكامة]، وكل ما قاله بالأمس على قناة [دوزيم] بخصوص أسباب أحداث [كديم إيزيك] من بطالة، وغلاء معيشة، وقس على ذلك، صار هو نفسُه يكرّسه، ويعتمده، فكيف تحكم على شخص مثل هذا دينيا، وأخلاقيا، وسياسيا؟
وأحداث [كديم إيزيك] كانت بداية [الترويع العربي] الذي هلّل له خصوم الوطن، وساندوه بمظاهرات عرفت مظاهرَ نهْب، وسرقة، وإحراق لسيارات المواطنين، وكان الخونة الذين يترأّسون الحكومةَ اليوم، ينتظرون سقوطَ الملكية لسذاجتهم، وكأنّ الملكية في المغرب، هي أشبه برجل عجوز، نحيل البنية، يمْكن بنفخة واحدة أن ترديه طريحًا، ولم يدركوا أنّ الملكية في المغرب، عريقة، ومتجذّرة في أعماق الأرض، وفي أعماق أنفُس المغاربة، وأنها ليست كملكيات أخرى أجنبية، سادت ثم بادت؛ بل الملكية مثلا مثل الملكية اليابانية العريقة التي لم تُسقِطْها حتى قنبلتان ذرّيتان؛ واليابانيون متشبثون بها حتى لإنهم كانوا يعتقدون أن الإمبراطور نصفُ إلاه، ومَن نظر إليه مطوّلا أُصيب بالعمى لقُدْسيته؛ وهو تماما ما حدث في المغرب، عندما رأى المغاربةُ ملكهم في القمر، مما يجسّد محبّة الشعب لملكه؛ وإذا كان الأمريكان تفادوا المسّ بوقار وهيْبة الإمبراطور، فإن الفرنسيين فعلوا الشيءَ نفسَه، وأعادوا الملك من منفاه سالمًا إلى بلده وشعبه، فما نِصف ألوهية إمبراطور اليابان، وتصَوُّر ملك المغرب في القمر، إلاّ تعبير عن قدسية الملكيْن في قلبَيْ شعبيْهما، ثم حذارِ حذارِ لمن تجرّأ عليهما؛ هكذا يفسّر المؤرّخون، نِصف ألوهية إمبراطور اليابان، وظهور ملك المغرب في القمر؛ ولكلا الملكيْن مقامٌ عالٍ وموقَّر.. كان اليابانيون يهتفون [تينُوهايْكا بِينْزاي] أي (رُوحي فداء الإمبراطور) وكان المغاربة يهتفون [عاش الملك] ممّا أرعب الأمريكان حيث تشرق الشمس؛ والفرنسيين حيث تغرب..
لـمّا ترأّسَ الإخوانيون الحكومةَ، كانوا يدركون مدى التحام العرش بالشعب، وبقي الملك هو حامي المواطنين من سيوف [البيجدي] الذي مِن أبرز مبادئه تكريسُ [كراهية الأوطان] طبقًا لما قاله [قُطْب] إنّ الوطنَ هو مجرّد حفنة من تراب عَفِن، وإنما الدّين هو وسيلة لجمْع القطعان، وقد جمع (البيجدي) قطيعًا يصوّت له؛ وأمّا كراهية الوطن والملك فتحتّمان المس بالأقوات، وبحقوق المواطن، وكرامته، لأن الجائع لا يفكّر بعقله، وعلى هذا الأساس، كرّسوا الفقر لأنّ الفقر يمكن أن يؤدّي حتى إلى الكفر بالله تعالى؛ لذلك اعتمدوه، وصار سياسةً لهم، وقد أعطتْ أكلَها، حيث برزت ظاهرةُ إحراق المسحوقين لأجسادهم، وشنْق الفقراء لأنفسهم، وهي ظواهر ارتبطت في الأذهان في عهد [البيجدي] الولهان.. لكنهم أطلقوا أيدي شيعتهم في أموال الأمّة في المجالس البلدية، ومجالس الجهات، وغرسوا أتباعهم في القطاعات عبر التعيينات الأسبوعية في مناصبَ عليا تنمّ عن خبث..
ثم ماذا؟ برزت مظاهرُ هزلية في الحكومة، وفي حزب [الدعوة إلى الله] حيث شاهدْنا [جُندي الشوكولاطة] (لبيرْنارْدشو) في الوزارة؛ ورأينا [سرير بروكست] في أخرى، وتمتّعنا بحبّ [قَيس وليلى] في الحكومة؛ وعاينّا الثّمالة ليلاً مع سياقة سيارة المجلس البلدي للقنيطرة؛ وصُدِمنا بالحشيش في سيارة أحدهم؛ واستمتعْنا بـ[الـمُغيرة بن شُعْبة] وهو يمارس الجنسَ، ويتبطّنها على الشاطئ، ورجلاها فوق كتفيْه كأذُنَيْ حمار، وخِصْيتاه في ذهاب وإياب بيْن فخذيْها، ولكنْ ما رأيناه يُدْخلُه ويخْرجه، ثم (اِدْرؤُوا الحدود بالشبهات).. ثم توالى [الربيعُ العربي] ضد الشعب المغربي في قوته، وحقوقه، ثم ملايين في الحملة الأولى ضد الرشوة، ثم أعقبتْها ملايين أخرى في الحملة الثانية، ثم أتتْ [380] مليارًا لمحاربة الفساد، انتهتْ بمقولة [عفا الله عمّا سلف]؛ ثم تلتْها عملية التصويت بستّة نواب في الوقت الميت لضرب تقاعُد العمّال والموظفين، مع الحرص على تقاعُد البرلمانيين؛ مع الحرص على تعدُّد التعويضات؛ مع الحرص على أجور البرلمانيين، وإنْ لم يشتغلوا طيلة ستة أشهر، ولـمّا افتُتِح البرلمان وُزِّعت هدايا على النواب في شكل هواتفَ غالية لتسليتهم؛ كلّ هذا التبذير عطّل مشاريع (الحسيمة) ثم (جرادة) لأن الخزينة خاوية على عروشها؛ وديون المغرب تضاعفتْ أربع مرّات.