تم الخميس مساء تنظيم احتفالية للزعيم الوطني الكبير عبد الرحمن اليوسفي، الكاتب الأول الأسبق للاتحاد الاشتراكي والوزير الأول في حكومة التناوب. وتم خلاله توقيع كتاب "أحاديث فيما جرى"، وهي تجمع بين المذكرات والكتابات السياسية التي هي عبارة عن رسائل وخطابات كتب بنفسه. يذكرنا الزمن بأن هناك في البلد نماذج، قد تتفق معها أو تختلف، لكنها تبقى محط تقدير ومشعلا للسير في الطريق الصحيح، لكن ليس بطريقة التقليدية السلفية ولكن بطريقة اكتشاف المنهج المختبئ وراء سلوكات الأشخاص.
جاء اليوسفي من زمن النضال. كان تقدير جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، أن من قاد المعارضة وحده قادرا على قيادة البلاد في ظروف صعبة. عندما اعتذر عبد الرحمن اليوسفي المرة الأولى عن تولي الوزارة الأولى متعللا بمرضه أرسل إليه الملك الراحل مستشاره محملا برسالة مفادها: حتى أنا مريض وقدرنا أن نقود البلاد في فترة حرجة ونحن مرضى. وقاد الرجلان المغرب إلى بر الأمان إلى أن فرق بينهما الموت.
لا يهمنا هل كان اليوسفي على صواب أم على خطأ في الخطوات التي تبناها كما يذهب البعض إلى ذلك، ولكن ما يهمنا هو المسار التاريخي ونسبية الأشياء كما يراها الزعماء الكبار، الذين كانوا يغادرون السجون ليحملوا حقائبهم عبر العالم للدفاع عن القضية الوطنية، وليس أتباع بوحمارة الذين كلما عنت لهم الفرصة ذبحوا الوطن وباعوه للأجنبي بأي ثمن.
عندما قبل عبد الرحمن اليوسفي الوزارة الأولى في زمن صعب كان يضع أربعين سنة من النضال في كفة ومصير البلاد ومسارها في كفة ورجحت كفة الوطن، وأدى الاتحاد الاشتراكي الثمن انشقاقات وخروج مناضلين وانسحابات وغيرها. في تلك السنوات كان الاتحاد الاشتراكي قويا وموحدا، وكانت خلفة نقابة موحدة تزلزل الأرض، وجنح إلى السلم. تصوروا أن ما أتيح لليوسفي والاتحاديين عموما أتيح لغيرهم، وخصوصا الزعيم الشعبوي، فهل كانوا سيجنحون للسلم؟ لو توفرت لديهم قدرات أقل لقلبوا الدنيا عاليها على سافيلها.
الذين يحاولون أن يجعلوا بعض الشعبويين في نفس القيمة والمستوى مع عبد الرحمن اليوسفي وعبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد وامحمد بوستة يريدون قتل الذاكرة المغربية. فرق كبير بين زعيم معارض ومنفي يعترف بالقيمة الإنسانية للزيارة الملكية التي قام بها إلى المستشفى لعيادته وبين زعيم "في خمسة أيام" الذي لا يهمه رضى الملك في تعابير ممجوجة.
الفرق كبير بين زعيم صنع التاريخ وبين زعيم يريد أن يكذب على التاريخ. كثير من الأشياء التي نهجها المغرب كانت من إبداع المعارضة في لحظات معينة، وهذا يشير إليه اليوسفي في مذكراته، حيث قال إن كل مطالب مذكرة المطالب الدستورية التي رفعنها في التسعنيات تضمنها دستور 2011. ميزة المناضلين الأفذاذ ورجال الدولة الصبر وميزة الشعبويين النزق لأنهم يعرفون أن ساعتهم قصيرة.