أن يحصل حزب العدالة والتنمية علي الرتبة الأولى في اقتراع الخامس والعشرين من نونبر أمر متوقع وعادي، لكن أن يكتسح مجلسالنواب بـ107من المقاعد مبتعدا بـ48 مقعد عن أكبر حزب يساري يحمل قيم الحداثة، وبـ89 مقعد عن ثاني أكبر حزب في اليسار، هو زلزال سياسي في مغرب تتآكل فيه ثقافة اليسار.
أن يحظى رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران بثقة ما لا يقل عن 82 في المائة من المغاربة، حسب استطلاع للرأي أجراه معهد “إيل إم إس -سي إس أ” لحساب أسبوعية “أكتوال”، أمر منطقي ينسجم مع تلقائية وتواصلية الرجل، كما يعكس ميكانيكيا نتائج الانتخابات. لكن أن تكونالأغلبية الساحقة من المغاربة، حسب عينة المستجوبين، ذات توجه محافظ، هو زلزال ثقافي في مغرب نصف قرن من تاريخ اليسار.
إنها مؤشرات رمزية وقيمية صادمة ومزلزلة للحداثيين حين يعبر 77 في المائة من المغاربة المستطلعة آراؤهم عن اعتقادهم بأنه يتعين منعبيع الخمور، ويؤيد 57 في المائة منهم إلغاء المهرجانات، ويؤكد 68 في المائة أنه يتعين نهج سياسة ثقافية جديدة مطابقة للتعاليم الإسلامية، من دون شك وبكثير من القلق، تحتل المحافظة اليوم مركز المجتمع، وشيئا فشيئا تتراجع الحداثة إلى الهوامش، إنها نتيجة حتمية لسياسة”يسار خبزي”، بدأ منذ جره الراحل الحسن الثاني إلى ورطة الأولويات الاقتصادية والاجتماعية، يغرق في مستنقع أرقام التشغيل والمديونية والعجز والتضخم، وطول قنوات الصرف الصحي والطرق المعبدة والسيارة، ومراقبة أسعار الزيت والدقيق…
طيلة أزيد من 14 سنة ويزيد، سقط جزء من اليسار في التدبير التقنقراطي للسياسة ولهويته الاشتراكية، بينما توغل الجزء الآخر في الترويج لردود أفعال سياسوية مغرقة في الشعبوية، وبين هذا الجزء وذاك، انهارت الرافعة الثقافية وتلاشى تجديد ونشر قيم الحداثة، أدمنت الجمعيات ندوات فنادق الخمس نجوم، وتفرغ المثقفون لاصطياد المناصب بدل الإنتاج الثقافي، شاخ المنظرون وتوقف نشر فكرهم، وفي معارض الكتب تحتل منشورات الوضوء وأهوال القبور والمرأة المسلمة وأشرطة الدعوة واجهات تشكيل الذهنية الجماعية…
ومع ذلك، هم لا يعتبرون أبدا، بعضهم اليوم يدخل حكومة محافظة “ليدافع عن الإصلاحات”، والآخر كل ما في برنامجه هو أن يمارس المعارضة في البرلمان، وثالث اختار أن يكون في الشارع واجهة لحاملي مشروع دولة الخلافة، أما معركة الثقافة ونشر قيم وفكر الحداثة فمتروك لأطفال الهيب هوب ومراهقي ثورية ساذجة ومنتجو أفلام خاوية وبلاقيمة …
إنه الزلزال بالفعل، والمصيبة أنه لن يخمد قبل عشرين سنة على الأقل. هذا تقديري والله أعلم.