“اعتقال توفيق بوعشرين: المغرب تحت الصدمة”. كان هذا عنوان مقال نشره “التوارخي”، المعطي منجيب، الذي أصبح “حقوقيا وصحافيا ومناضلا” دفعة واحدة. كيف لا يفعل “منجيبنا”، فقد ألفناه لا يبخل علينا بمواقفه “المرضية” (من المرض طبعا).
كيف لا يكتب “منجيبنا” بهكذا طريقة عن قضية زميلنا توفيق بوعشرين؟ ألا يمثل “منجيب” النوع الجديد من الفكر اليساري-الرافضي؟ لكن المؤكد أن “المعطي”، يلبس فكره وكل خرجاته معطف النفعية ويدفئه بجبة السياسة-التكسبية.
ما أكثر المتنطعين، الذين يحملون شعار “جيب وقول يا فم”..يتطاولون على كل شيء. .ولا يعرفون عن بوعشرين إلا الإسم. ..لا يشعرون بشيء إلا بانانيتهم وعقدهم التي لا تحصى، عقدهم السياسية والحقوقية وحتى الجنسية. . .أما الذين عاشروا توفيق عن قرب. .فقد ضاعت مشاعرنا سواء كنا خصومه أو أصدقاءه. .سواء أحببناه أو كرهناه لأننا اشتغلنا لسنوات إلى جنبه. لذلك فنحن المصدومون وليس تجار النضال، الذين لا يلتزمون بلغة القانون وبمبدا الثقة في القضاء، وأنه فوق بوعشرين وفوق ضحاياه المفترضين أو الواقعيين، وفوق الجميع طبعا، لأن هذه المبادئ لا تخدم أجنداتهم المبنية على بناء الافخاخ في طريق المغرب.
وهذه مناسبة جديدة لنهمس في أذني المعطي “التوارخي”، وزميلته في المواقف “المرضية” فاطمة الإفريقي، ونقول إن أبجديات الفهم تبين أن التهم الموجهة للزميل توفيق بوعشرين صادرة عن سلطة الاتهام الممثلة في النيابة العامة، وأن هذه التهم ليست نهائية. بمعنى أنها لا تفضي بشكل أوتوماتيكي إلى الإدانة من أجلها. ومن أبجديات الفهم أيضا، أن المحكمة هي من سيحسم في القضية.
وفي سياق همسنا في أذني “المعطي التوارخي”، نقول إنه في العمل السياسي أو الحقوقي أو الصحافي، لا وجود لامتياز إسمه الجرأة أو الألمعية أو الشجاعة أو معارضة النظام أو إزعاجه. تلك أسماء سماها البعض لأنفسهم. فأصل كل شيء في هذا صفاء السريرة من عدمه.
ما الفرق، مثلا، بين جرأة محمد الساسي في التصريحات السياسية، وبين الملياردير كريم التازي؟ الفرق في كون جرأة الساسي كانت مؤثثة بمواقف حزب عتيد وبفكر الجابري، وكان أول من تحدث عن الملكية البرلمانية، وفي عهد الحسن الثاني. أما جرأة التازي فلا أصل يؤثث لها، اللهم بعض شظايا “عاصفة الفوضى الخلاقة”، التي أطلقتها الإدارة الأمريكية في العالم العربي، وما أسمته الشرق الأوسط الجديد، يعني جرأة “مضوبية مزيان”.
أعرف صحافيين مهنيين من الطراز الرفيع، يشتغلون في مؤسسات إعلامية غير حزبية، وهم باقون في الظل لأن سرائرهم صافية. أعرف جيدا أن جرائد العلم والإتحاد الإشتراكي والبيان والأحداث المغربية تضم صحافيين أصحاب تكوين سياسي ونقابي وحقوقي فوق العادة، ولا “يتنطعون”، لأنهم متعففون، ولأن جراتهم وشجاعنهم مؤصلة.
ما أكثر الصحافيين الذين خضعوا للتحقيقات الأمنية والقضائية، فثبت أنهم يمارسون الصحافة لأجل الصحافة، وليس لأغراض أخرى، حتى لو تم الباسها لبوس الجرأة والشجاعة وحرية الرأي ومحاربة الفساد، فهي تبقى أغراضا خفية وغير واقعية، يتمسك بتحققيها أصحاب السرائر غير الصافية.
فكفاك أيها “المثقف” و”الحقوقي الصنديد”، التعالى على القضاء والقانون، وافهم أن المساءلة القضائية لا تعني مساسا بالحرية واستهدافا للآراء والمواقف.
أكورا