لـمّا حلّ الوفدُ الحكومي برئاسة [سعد الدّين العثماني] بمدينة [جرادة] قصْد تقديم مجموعة من الاقتراحات، رفع بعضُ المحتجّين شعار [الاستقالة] في وجه رئيس الحكومة.. ومن الناس مَن استغرب لهذا المنطق، يعني (الاستقالة)، ومصدر استغرابهم هو أنّ شعار (الاستقالة) يعني انتخابات جديدة، ويعني أموالاً تُصْرف؛ ويعني مفاوضات؛ ويعني وقتًا يضيع؛ ثم ما أدرى المحتجّين أن [العثماني] هو الذي سيقود الحكومةَ مجدّدًا، فهل سيرفعون الشعارَ نفسه؟ وردُّنا على أصحاب هذا الرأي، هو في ما يلي:
أولاً إذا صحّتْ فرضيةُ أنه حتى الانتخابات التي يفرضها شعارُ (الاستقالة) هذه سوف تعيد [سعد الدين العثماني] إلى الحكم؛ ثم ماذا عساهم يفعلون يتساءل أصحاب هذه الفرضية.. ونحن نرى أنه إنْ صحّ هذا؛ فهو يدل على انتخابات سيّئة تتحكم فيها أدوات قَذِرة تمكّن [البيجدي] من نيل نزرٍ قليل من الأصوات القليلة أصلا، لترؤُّس حكومة بطريقة ديموقراطية معاقة، فيعمل على أن تكون (الأغلبية لحزب [البيجدي]، والذي بخطابه الديني يخلق ألويةً سوداءَ مخصَّصة للتصويت له، وهنا يكمن خطرٌ كبير يتهدّد البلاد، بحيث هناك من يعمل في الخفاء حتى تبقى بلادنا بعد كلّ انتخاب فريسةً للظلامية والإرهاب؛ ولكنْ إلى متى؟ فأوثان (الإخوان) صارت مغروسة في كل قطاع..
أمّا ردُّنا الثاني؛ فهو يتعلق بالاقتراحات التي ذهب [العثماني] بهدف تقديمها وقد سبقه إلى ذلك وزير لم يعرف اقتراحه في [جرادة] أيّ نجاح يُذكر، وهذا الوزير هو [الرّباح]، ثم ما الفرق بين [العثماني والرباح]؟ فالقضية لا تتعلق باقتراحات عند حكومات الكفاءات.. عقيدتي هي أنه إذا كان من حقّ الأحزاب السياسية أن تختلف في الأهداف، وأن تختلف في المبادئ (هذا إذا كانت أحزابًا تستحقّ شرَفَ لقبِها) فلستُ أظن أنّ من حقّها الاختلافَ حول الوسائل الـمُوصلة من هذه المبادئ إلى تلك الأهداف، لأن هذا الحق متروك، أو يجب أن يكون متروكًا لأصحاب البحث العلمي، وهم الذين يربطون بين المبدإ المفروض والهدف المطلوب؛ وحكومة [العثماني] لا تسمع لقرارات هؤلاء العلماء الميدانيين، وما يقضون به في كل علاقة اجتماعية من تربية إلى سياسة واقتصاد.. فالحكومة الجاهلة تترك هذه الجوانب الحيوية الخطيرة رهينةَ [آراء] تدور بها موائدُ اللّجان، ثم يكون الحُكْم الحاسمُ فيها لعدد الأصوات؛ لكنّ الأصواتَ ضرورة ديموقراطية عند تحديد الرغبات، وتعيين الأهداف فقط؛ أما كيف تتحقّق الرغبةُ، والوصول إلى الهدف، فأمْرُ ذلك للباحثين والعلماء؛ هنا يكمن مفتاح الرؤية الواضحة؛ لذلك قال الفلاسفة إن العلم مذهبٌ رابعٌ في دنيا السياسة.. وها نحن الآن نعرف كيف فشلنا في حلّ مشكل (الحسيمة وجرادة) وكيف فشلنا في إصلاح منظومة التربية، والقضاء، والصحة إلى ما هناك من قطاعات أفلستْ؛ لكنّ الأديب الأمريكي [هيمِنْغواي] يقول: [إذا عرفنا كيف فشلنا، فإنّنا سنعرف كيف ننجح]؛ لهذه الأسباب، فليس لدى [العثماني] غير اقتراحات لغوية يقدّمها وليس برامج علمية وخططا..
وردُّنا الثالث يتعلق بمسألة ضياع المال والوقت إذا نحن فكّرنا في انتخابات جديدة؛ وردُّنا هو: ما العيب في ذلك، إذا كان طاقمُ سفينة الأمّة جاهلا وفاشلاً ومتهوّرًا، يقود السفينةَ نحو إعصار مدمّر؛ فهل نُوقِف الرحلةَ رغم ما استُهلك من محروقات وزمن، ونغيّر الطاقم المسيِّر بطاقم أكفأ منه، أم نترك السفينةَ تتجه مباشرة نحو عين الإعصار المدمّر؟ أجيبوني أنتم! ومتى كنّا حريصين إلى هذه الدرجة على المال والوقت؟! فالفلاسفة المتأثرون بالعلوم البحْتَة يحبّذون ما أسموه [table rase] أي [مسْح الطاولة] وإعادة التركيب على أساس علمي وعقلاني، وهو الجواب الصائب لسؤال نطرحه كل مرة: [لماذا تأخّرنا، وتقدَّم الغرب؟].. فحكومة [العثماني] تسير بالأمّة نحو الهاوية بخطوات ثابتة؛ أمّا عن المال الذي (سيضيع) خلال حملة انتخابية جديدة، فإننا نعتبره تضحية لإنقاذ الأمّة من معاول هدْم [البيجدي]، ومصاريف ندفعها لكنْس هذا الكابوس المدْلَهِمّ الذي ألمَّ بالبلاد والعباد، وأوقعْنا في شِرْكه وشراكه ولم نستطِعْ منه فكاكًا..
أما ردّنا الرابع والأخير، فيتعلّق بقولهم: ما أدراهم أنّ [العثماني] لن يعود بعد انتخابات جديدة؟ في هذا الباب نقترح مَنْع أيّ دعم مالي لأي حزب كان خلال هذه الانتخابات؛ فأي حزب يعجز عن الإنفاق على حملات مرشّحيه، فهو غير ملزم بخوض غمارها؛ أمّا دعْمُه من مال الأمّة فهو تبذيرٌ وفسادٌ.