لعل أهم ما بقي في عقل ووجدان الإنسان العربي بصفة عامة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي حول فلسطين، ليس لا الأرض، ولا الشعب، ولا حتى القدس... فما بقي فعلا هو منطق ومبدأ المؤامرة...فلشد ما اعتبرنا كل مواقف الدول سواء الأوروبية أو الأمريكية اتجاه فلسطين مؤامرة ضد الشعوب العربية، والإسلام، تمسكنا وتماهبنا مع هذا المفهوم وصار أول رد فعل لنا حتى في حياتنا اليومية في الشارع، والمنزل، والإدارات،ترديد مصطلح " مؤامرة" حتى قبل أن نحيط بكافة التفاصيل والمعطيات..فغدا المصطلح كحصان طروادة يركبه الجميع الكل يتآمر على الكل... ويبدو أن قضية بوعشيرن يسير كثيرون سواء من العالمين، أو غير العالمين القاصدين أو التابعين.. في اتجاه اعتبارها مؤامرة حاكها أشخاص ومؤسسات بالدولة لإسكات المثقف الحقوقي الإعلامي بل ومعاقبته على جرأته وقلمه..تماما كما فعل نفس الأشخاص أو يكادون عند متابعة الزفزافي ومن معه إضافة إلى مهداوي... حيث رفعوا أصوات الأبواق وقالوا الكثير يمينا ويسارا، واعتبروا المحاكمة سياسية ظالمة لا تستند على قرائن..ومع مرور الجلسات والتحقيقات، وانكشاف الكثير من الحقائق، والأدلة، سرعان ما خفتت الأبواق، لا بل منها ما أزيلت من الأساس ولم نعد نسمع صدى سوى عن شطحات الزفزافي، والمهداوي أثناء الجلسات...
الحقيقة الأولى والأخيرة التي لا مناص منها هي قرينة البراءة، أي أن المتهم بريئ حتى تثبت إدانته...وإلى حدود الساعة فبوعشرين بريئ من التهم الموجهة إليه طالما أن القاضي لم ينطق بالحكم...لكن إلى حين التدقيق والتمحيص في القرائن والدلائل المعززة للاتهامات الموجهة إليه، كما أن الحقيقة التي لا تقل أهمية.. هي أن الصحفية خلود جابري، وباقي النساء اللواتي أتى ذكرهن في التحقيقات.. لهن الحق كل الحق في أن يتم التعامل مع شكاياتهن بما يلزم من الاعتبار، والتدقيق والتمحيص، وبالتالي يجب إخضاع كل الفيديوهات، والصور المتحدث عنها وبشكل دقيق ومحايد للتحليل للتأكد من مدى ارتباطها بالمتهم بوعشرين، أم أنها مزورة وملفقة، أما أن نعلن المؤامرة، ونعتبر بوعشرين فوق الشبهات، فإن الملائكة ليست لها مكاتب لا بالبيضاء، ولا بأي مكان آخر على طول وعرض المملكة..وأن رجال السياسة والمجتمع المدني، والحقوقي، ورجال الإعلام.. الذين طالما طالبوا ولايزالون بدولة الحق والقانون ... أن يكونوا الأولى بالتماهي مع مطالبهم.. واحترام الدولة، والقضاء... عندما يلجأ إلى تطبيق القانون والنظام على الجميع دون استثناء، فالجميع سواسية أمام القانون.. لا بل على كل هؤلاء أن يكونوا قدوة في الانضباط لسيادة القانون على الجميع... سواء تعلق الأمر برجال ونساء الدولة،أو برجال ونساء الإعلام والنضال بكافة أشكاله...ولعل ما يحز في النفس هو أن نسمع بأن مناضلا أو صحفيا، أو محاميا... يقول أنه مادامت الدولة لها حسابات مع بوعشرين..بسبب ما ينشره فكان عليها أن تتابعه على هذا الأساس وليس أن تتصيد أخطاءه في مجالات أخرى ...مرة يعاتبون الدولة ويجرمونها معتبرين اعتقالها للمهداوي يدخل في إطار لجم حرية التعبير ، واليوم يأسفون لأن الدولة تركت المجال مفتوحا لبوعشرين ليعبر على رأيه ورأي الآخرين خلفه كما يشتهي ويشتهون..دون أن تتابعه.. حتى يجدوا البركة ولو عكرة ليمارسوا فيها هواية الصيد العكر...أما أن تتحرك الدولة في شخص قضائها وأمنها لصون حقوق مغربيات مشتكيات فهذا ما لا ينبغي فعله ما دام الأمر يتعلق "ببوعشرين" كما لو أن هذا الأخير من الصنف الأول والمشتكيات من الصنف الثاني أو لسن مصنفات من الأساس.. فكيف إذن سنطالب بأن يكون المواطن المغربي ذكرا أو أنثى.. أمام سيادة القانون على نفس المستوى مع من نعتبرهم ذوي نفوذ وسلطة ومال؟؟؟ !! على المشتكيات الإدلاء بكل ما يثبت صحة ادعاءاتهن في حق بوعشرين وعلى هيئة دفاعه، وكما هي الأعراف، أن تشحذ همتها وتدحض كل الفصول المتابع بها ، كما عليها دحض كل الادعاءات والدلائل التي تستندن عليها...فإذا ما تبثث التهم عليه، كان بها، وإذا ما تبث العكس، فمن حق بوعشرين أولا المطالبة بما يحفظ ماء وجهه....
فمن كان بيته من زجاج فعليه الانتباه قبل قذف زجاج بيوت الآخرين......