استمر فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب مدة زمنية يرفع شعار إلغاء تقاعد البرلمانيين، إذ تقدم بمقترح قانون يتعلق بإلغاء هذا التقاعد نهائيا لأنه غير مستحق، لكن بعد وقت قصير انضم إلى الفرق البرلمانية الأخرى المطالبة ب|إصلاح هذا النظام على حساب الخزينة العامة، بالرفع من مساهمة الدولة وهو ما سيتم مناقشته في الدورة الربيعية بعد أن استحيى أصحاب الريع من عقد دورة استثنائية لمناقضة قانون يخصهم.
بعد كل الفضائح التي ارتكبها حزب العدالة والتنمية خلال الولاية الحكومية السابقة والحالية، وبعد أن قام بنكيران ب"طحن" تقاعد المساكين، وفرض عليهم اقتطاعات جديدة وضرائب جديدة، كان بإمكان الحزب أن يسجل نقطة إيجابية واحدة لصالحه لكنه اختار "غير ذات الشوكة"، وانحاز للإبقاء على الريع البرلماني، الذي يضر بالخزينة العامة لأن الإصلاح لن يكون على حساب خزينة الدولة، التي هي أموال دافعي الضرائب، بينما إصلاح تقاد البرلمانيين تتكلف به الدولة بالكامل.
ليس المهم اليوم مناقشة تقاعد البرلمانيين لأننا تحدثنا أكثر من مرة عن أنه ريع غير مستحق ولا ينسجم مع القانون، لأن ما يتقاضاه البرلماني ليس راتبا وإنما تعويض عن المهام التي يقوم بها، أي تعويضا عن تمثيلية المواطنين في المجلس، وبالتالي اعتبرنا تعويضات النقل عبر القطار والطائرة وبونات المازوت والمبيت في غرف الفنادق أمورا زائدة عن اللازم لأن ما يتقاضاه هو تعويض وليس راتبا. ليس المهم هو هذا الذي ذكرناه سابقا لكن ما يهمنا اليوم هو شعبوية العدالة والتنمية.
الحزب يقود الحملة من أجل كسب ثقة فئات كبيرة من الشعب وفي غفلة من هذه الفئة يتراجع دون أن يعلن عن ذلك، لأن الريع جزء من ماكينة التمكين لدى العدالة والتنمية، وبواسطة هذا الريع استطاع الحزب من جلب فئات اجتماعية كثيرة، وبالتالي هو يعرف كيف يمارس الشعبوية، التي تعلمها الحزب كثيرا من مراكز دراسات متخصصة في هذا الشأن، ولم يكن بنكيران بدعا من الزمن، ولكن الشعبوية تعلمها في أركان بعيدة وطبعها بميزته الشخصية، وزاد عليها التنكيت الذي تعمله بعد دخول الإسلاميين حزب الدكتور الخطيب.
فالشعبوية عنوان كبير تبناه حزب العدالة والتنمية منذ انتخابات 2011، وبواسطتها تمكن من استقطاب فئات كبيرة من الناخبين، فكان الشعار الأول هو محاربة الفساد، ومن خلاله تمكن من تضليل عامة الناخبين حيث يعني لكل واحد معنى مختلفا، ووعد بتحويل الأرض إلى جنة، وتقدم ب1500 إجراء تبين أنها مجرد إنشاءات غير قابلة للتنفيذ ووعد بتشغيل العاطلين، وبالعديد من الإجراءات الكبيرة، لكن بعد رئاسته للحكومة تخلى عن كل شيء وباع الناخبين للمنتخبين، الذين تحولوا إلى أداة للتصويت على الإجراءات العقابية.
وها هو اليوم يعلن الحزب أنه وفي للشعبوية من خلال رفع سقف المطالب بإلغاء تقاعد البرلمانيين وفي الدقيقة التسعين يتخلى عن ذلك وينضم لأصحاب الريع.