إذا كان "الأغبياء" هم وقود الثورات" كما قال مثلٌ فرنسي، فإن الأذكياءَ هم انتهازيو هذه الثورات أيضاً، الواقع المصري الأخير وخلال 11 شهراً يجسّد ذلك.
وما بين الأغبياء الذين لم يدركوا حقيقة أن ثورة 25 يناير قد انتهت فعلياً يوم تنحي الرئيس المخلوع، وأن هناك "مآرب أخرى" قد حسمت البوصلة، وبين "الأذكياء" الذين انتهزوا الفرصة وباتوا يحاولون قطف كل الثمار.. تكمن المشكلة الراهنة والتي قد تحكم المشهد المصري كله لسنواتٍ مقبلة.
عمليّاً.. فاز التيّار الديني بالأغلبية في الجولة الأولى التي تمثّل ثلث محافظات مصر تقريباً، وفشل صُنّاع الثورة في إثبات وجودهم لعدم وجود قيادة تحكمهم، من جهة، ولأنهم أصبحوا "مطيّة" دون أن يدروا، وفي المقابل كانت الكتلة الصامتة بدورها، وهي التي تحملت العبء الأكبر خلال نصف القرن الأخير، هي صاحبة الكلمة الأولى، ولأن الشعب المصري ـ في أغلبه ـ متديّن بطبعه، لذا كان لجوؤه إلى الدين، في سنوات القمع، مهرباً لا بديل عنه، ربما كنوع من "الاتكالية"، تمخّض في النهاية عن اختيار 66 بالمائة منهم لـ"الإخوان" والسلفيين، ما يؤشر فعليّا لأغلبية برلمانية ما لم تحدث مفاجأة، يقول البعض إنه يتم الترتيب لها، لوقف زحفهم المقدس.!
الكتلة الصامتة هذه، هي التي يتم المتاجرة باسمها حاليّا، صحيح أن كل الأنظمة السياسية تتاجر بمشاعر الفقراء ومحدودي الدخل، غالبية دول العالم تفعل ذلك، لماذا؟ لأنهم الأغلبية.. ولأنهم الأكثر تأثيرًا في أي انتخابات، ولكن كانت المتاجرة تتم غالباً بخطوات ملموسة، أما عندنا أو في عالمنا الثالث، فيتم الاكتفاء بدغدغة مشاعر هؤلاء بخطب، وبيانات ووعود للأسف، لا يتحقق منها شيء!. وأؤكد إنه لن يحدث منها أي شيء.
في مصر، كان جُلُّ خطب الزعماء عن الفقراء ومن هم تحت خط الفقر، مشفوعة بالتصفيق الحاد فقط، من عبد الناصر الذي تظاهر الناس في بور سعيد "عايزين رز".. إلى السادات وكارثة رفع أسعار الخبز، وحتى مبارك الذي دائماً ما تشدّق بحماية محدودي الدخل فيما كانت عائلته والمقربون منه يمتصّونهم، وحتى تصريحات كل المسؤولين العسكريين والوزراء الجدد الذين يعتقدون أن بإمكانهم شق البحر بعصا موسى.. كلها عبارات لا تختلف كثيراً.
ولأن المنتصر هو دائماً ما يستقبل كالفاتحين، لذا فالمثير، أن غالبية الكتاب والمثقفين تقريباً الآن في مصر.. بدأوا في مغازلة التيّار الديني، أو بصراحة، منافقته، صحيح أن هؤلاء هم أنفسهم الذين نافقوا مبارك، وصفقوا للمجلس العسكري وهللوا له، وأشعلوا خطب الثورة علناً، بينما هم يلعنونها في غرف نومهم، ومع ذلك لم يفهم أحد، لماذا تحركت الكتلة الصامتة بهذه القوّة نحو الإخوان المسلمين تحديداً؟ وليس تجاه السلفيين مثلاً، أو حزب "الوفد" التاريخي؟ ولم يعرف أحد، أن ناخبين مسيحيين مثلاً منحوا أصواتهم في جولة الإعادة لممثلي "الإخوان" باعتبارهم "أخف الأضرار" من السلفيين، أو ربما تخوفاً من غرامة الـ500 جنيه لمن لا يدلي بصوته؟
التخوّف الآن صراحة، هو من تصريحات بعض قيادات الإخوان، المنتشية بتحقيق النصر، مرشدهم العام صرّح قبل أيام بأنه سيكون معادلاً لرئيس الجمهورية، فهل يقودنا ذلك، إلى تكرار تجربة الخميني من إيران، في مصر، ويكون المرشد العام هو "المرشد الأعلى" وبالتالي يكون التخوّف في هذه الحالة كابوساً ينتظر شيئاً عمليّاً لا كلاما إنشائياً أو "تقيّة" سياسية.
أقول قولي هذا.. وأستغفر الله العظيم لي ولكم..
ولهم أيضاً؟!
محمد هجرس
كاتب وصحافي مصري