نعيش على وقع رجة حقيقية. لطالما طالبت الأوساط الحقوقية المدافعة عن حقوق المرأة بضمان حرية البوح لمواطناتنا النساء فيما تعرضن له من اعتداءات جنسية. في السياق الدولي، ومع مراعاة الخصوصيات المحلية، الضحايا التزمن الصمت طويلا، وربما شعرن بالخوف من الأحكام المسبقة ومن عدم تصديقهن، فيما لم يحم المجتمع من تجرأن على البوح بشكاياتهن... اليوم كل هذا يتغير.
النقاشات الجانبية لم تعد مهمة. مثلا في حالة طارق رمضان، الداعية الديني وحفيد حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حيث يصبح تلخيص قضيته في عنوان «المؤامرة» مدعاة للسخرية. يكفي التذكير هنا بأن العدالة الفرنسية مستقلة تماما،مع استحضار ما اعترف به أمام المحققين واصفا ما حدث «بألعاب للإثارة فقط»، في الوقت الذي كان الداعية يدعو الشباب إلى العفاف في حالة عدم القدرة على الزواج. وأن تكون بين ضحاياه، امرأة معاقة، يصعب من وضع الداعية الإسلامي في هذا الملف.
غير أن العوامل المؤثرة في هذه القضية تأتي في سياق آخر. المشتكيات، سواء في فرنسا أو إنجلترا، مسلمات رفعن شكواهن ضد داعية إسلامي، قدم نفسه بهذا الوصف إلى عموم المسلمين على امتداد عقود في أوروبا، بدعم من الأوساط الإسلامية، وتحديدا ذات الهوى الإخواني.
المشتكيات، اللواتي تحدين خوفهن، وتأثير الأوساط الدينية وشبكاتها المتشعبة، ونظرة الأهل والأقارب، استفدن من حماية ودعم أساسيين. الجمعيات المدافعة عن قضايا المرأة والحقوقيون المؤمنون بعدالة القضية، يسهرون على تقديم الدعم على كل المستويات للضحايا بصورة مميزة. فليس من السهل إقناع ضحية اعتداء جنسي بالحديث علنا عن ما عانته، ثم رفع دعوى أمام المحاكم، ومواجهة هيئات الدفاع والعدالة. هذا المجهود الكبير، المكلف ماديا ومعنويا، يتطلب دعما نفسيا متواصلا وعلى مدار الساعة.
يجب التنويه بالمجهود الذي سمح لهؤلاء النسوة بتحدي «الافتراس الجنسي» الذي كن ضحيته، والذي تسبب كسر حاجز الخوف فيه، بتعميمه في كل الأوساط وبكل بلدان العالم. خلال مظاهرات ميدان التحرير وسط القاهرة ضد نظام مبارك، اغتصب ناشطون إسلاميون عشرات النساء أمام الملأ، كانت إحداهن صحفية بالقناة البرلمانية الفرنسية. في تلك الفترة، وصف الثوار المغتصبين بأنهم مجرمون سعوا إلى تقويض الثورة. سلوك كان الغرض منه تحويل مفهوم الاحتجاجات إلى قضايا جانبية، لتكميم الأفواه حول خطورة الأفعال المرتكبة في حق النساء. كل مؤمن بالديمقراطية مدعو إلى النضال لإسماع صوت الضحايا، واحترام كرامتهن، دون وضعه في سياق آخر يخرج عن موضوع شكاياتهن.
في المغرب يعتقد أن أغلبية النساء ضحايا الاعتداءات الجنسية يلتزمن الصمت. بعضهن يفضل عدم الخوض في الموضوع خشية نظرة الأهل والمجتمع. كم من زوج بإمكانه مساندة زوجته إذا تعرضت لاغتصاب جماعي؟ أحد المغتصبين في الدارالبيضاء تعود على مهاجمة ضحاياه داخل بيوتهن، اعترف بالاعتداء على 13 ضحية، وقدم عناوينهن للمحققين، ثلاث منهن تجرأن على رفع دعاوى ضده، وواحدة فقط حضرت أطوار محاكمته.
الأنكى أن الضحايا يصبحن مشاركات في الجريمة بمجرد أن تثرن موضوع تعرضهن للاغتصاب. الضحية، تصبح بالضرورة، متهمة بأنها مشاركة في
«مؤامرة» من طرف مخلوقات وأشخاص وجهات غير معروفة حين تتحدث عن ما جرى، في الوقت الذي لا تتطرقن فيه سوى للجريمة التي تعرضن لها، في محاولة للحصول على رد الاعتبار الذي سيسمح لهن بمواصلة حياتهن بشكل طبيعي.
مواجهة «الافتراس الجنسي» معركة ضرورية لا بد لكل المجتمعات المتحضرة أن تخوضها. العدالة يجب أن تأخذ مجراها في هذه القضايا بكل الصرامة الممكنة، مع الاحتفاظ بقرينة البراءة لكل متهم، مع تمكين النساء المشتكيات من الدعم الضروري في هذه الحالات. هن ضحايا، أولا وقبل كل شيء، ولا يمكن وصمهن بأي ذنب في ما جرى لهن.