يقول مفكّر كبير: [لو اكتفينا في الجانب السياسي بأن بدّلنا حكومة بحكومة، لكان ذلك انقلابا ولم يكن تغييرًا.. لو اكتفينا في الجانب الاقتصادي بتنشيط التجارة، والصناعة، ووسائل الإنتاج التي يتحكّم فيها أصحاب وعبدة المال، لكان ذلك انتعاشا اقتصاديا، ولم يكن تغييرا جذريا.. التغيير الحقيقي هو أن يتغيّر الأساس؛ أن يتغير النمط، أو المنوال؛ تغيّرا يتْبعه بالطبع أن يتغيّر المحصولُ الناتج، وأن تتغير الأوضاع، والقوانين بما يتناسب مع الأساس الجديد، أو النمط الجديد، والمنوال الجديد].. ولكنْ الذي أزعمه كمواطن مغربي يعيش هموم وطنه، ويتابع أحداث بلده، ويراقب تقلبات سياسة أمّته، هو أن منوالنا الفكري للأسف الشديد، لم يتغير، وأن النمط الذي نسوق نشاطَنا الفكري والسياسي في إطاره، ما زال كما كان منذ سنين خلت؛ فمنوال النسْج في هذا المجال باقٍ على حاله، برغم ما غيّرنا من ألوان الخيط المنسوج، وزخارف القماش، ومقدار ما ينتج منه، وطريقة توزيعه على الناس..
قال مستشار حكيم ذات يوم لـ(الخان، أي السلطان) في [خراسان]: [يا مولاي؛ إنه لخير لك ألف مرة، أن تكون محاطا بخمسة أسود، من أن تلتف حولك (500) من الخرفان (تُبَعْبِع) طول الوقت طالبة الكلأ والمرعى، دون أن ترد خطرًا يتهدّدك، ويتهدد أمّتَك.]. فماذا كسبْنا نحن مثلا باستبدال [بنكيران] بشبيهه [العثماني]؟ ماذا حققت البلادُ بحشود في البرلمان وفي مجلس المستشارين؟ ماذا استفادت الأمّة من كثرة الأحزاب، ومثيلاتها منظمات أغلَبُها عجّ بعملاء لمنظمات هدّامة تستهدف الملكيةَ، واستقرارَ البلاد؟ ماذا تغيّر بعدما استبدلنا رئيسَ البرلمان الذي لم يتشرّف بلقاء ملك [السويد] لمناقشة القضية الوطنية، أعني وحدتنا الترابية، بالرغم من كذب التلفزة علينا بهذا الخصوص؛ فاستبدلناه برئيس آتٍ من حزب مترهّل، لم نعد نرى منه إلاّ هيكلا عظميًا بلا لحم، بلا دم، بلا حياة؛ مع العلم، أن هذا الرئيس تاريخُه لا يسعفه، وقد تولّى مناصبَ لم يفلح فيها، منها مثلا [مجلس الشباب والمستقبل] وهي فترة عجّت شواطئُنا بآلاف الغرقى الفارين إلى أوربا؛ ثم تولّى التعليمَ، فعرف القطاعُ ما سُمِّيَ [المغادرة الطوعية] ممّا كلّف الأمّة خسائر فادحة في الأطر التربوية، وفي الأموال الباهظة، فاكتظّت الأقسام الدراسية، وانخفض مستوى التحصيل، وتداعت الجودةُ في البرامج، والأداء، لا؛ بل فرض على كل أستاذ كتابًا مختلفا في المؤسسة الواحدة، وفي المستوى الواحد، لتعميم المنفعة بين سماسرة الكتب المدرسية، بعد أن قال بترك حرّية الاختيار للأساتذة.. وعندما تولّى رئاسةَ البرلمان، تبرّع من مال الدولة على البرلمانيين بهواتفَ نقّالة باهظة الثمن من أجل تسلية النواب.. والرئيس السابق، ما إنْ ترك شجرة البرلمان، حتى تشبّث بغصن وزارة الشباب والرياضة، وكأن الأمة أصبحت عاقرا، لا تنجب أطرا كفأة، ومن أبرز إنجازات هذا البرلمان، هو المس بتقاعد الكادحين، وإقراره لتقاعد البرلمانيين؛ مع دفاعه عن تعدد التعويضات، وحاشا لله أن يكون هؤلاء نوابَ الأمّة، بدليل ما قاله رسولُ الله صلّى الله عليه وسلم: [ما اجتمعتْ أمّتي على باطل]؛ فأيُّ أمّة يمثّلها هؤلاء؟
ونعود الآن للحكومة التي تحكم باسمنا، ولم نصوّتْ عليها؛ فأهم إنجازاتها هو ضربُها لصندوق [المقاصّة]، باعتباره من مخلّفات الفترة الاستعمارية، ممّا يعني أن الاستعمار البغيض، كان أرحم منها على شعب مغلوب على أمره، ناهيك عن اقتطاعات، وزيادات في الأسعار، ومحاولة تحويل التعليم إلى بضاعة، بالرغم من كونه من الثوابت، بالإضافة إلى جعْلها رجالَ التعليم مجرّد مرتزقة، يعملون لفترة محددة بالعقدة، وليسوا جنودَ أمّة، وخُدّام وطن.. ورئيس الحكومة [العثماني] هو من حزب تأنّقَ بوشاح الدّين، وبه خدع وأغرى، ينفّذ تعليمات (صندوق النقد الدولي) الذي يساند الفاسدين، ويقهر الشعوب الجائعة، وصدق من قال: [كم من شيطان في جُبّة].. لكنْ ما هي خصائص الحكومة الفاشلة يا ترى؟ الحكومة الفاشلة تُعرف بإصدار العديد من القوانين الزّجرية في أبسط الأمور، وكل الفلاسفة يؤكّدون أنّ من يعتمد الزجر كحلّ، يعطي الدليل على فشله، وعلى أنه لم يعدْ لديه ما يعطيه.. الحكومة الفاشلة، تُعْرف بالزيادات في الأسعار، وباستهداف قوتِ المواطنين، حفاظا على امتيازات الباذخين؛ فهي جماعة باعة، وسماسرة، ومضاربين، ليس إلا.. حكومة الفاشلين، لا تفرّق بين ما هو [سياسي]، وما هو [تنفيذ على أساس علمي]؛ فمثلا إذا كان إصلاح التعليم يتطلب علماء، وخبراء ميدانيين، وكان صميم التعليم الجامعي مثلا مكتبات للبحوث، ومعامل، ومختبرات، جعلتْه الحكومةُ الفاشلة (مجالسَ ومذكّرات)، لأن الوسائل لا تُترك في أيدي أصحاب الأهداف، ولا توكل إلى رجال العلم.. لهذه الأسباب لا تجد مشكلاً تمّ حلُّه، لأن الحكومة ليست حكومة عقْل، وعلم، وفنّ، وفي وزرائها الفاشلين لا تكاد تدرك فارقا بين يمين، ويسار، ومتمسّحين بالدين؛ لذا آن الأوانُ لثورة الملك والشعب من أجل كنس هؤلاء قبل فوات الأوان..
فارس محمد