الجمعة 23 فبراير 2018، كل شيء يبدو عاديا ورتيبا في نهاية الأسبوع هاته، وهيئات التحرير تستعد مثل كل أسبوع لنيل نصف نصيف من الراحة في يوم عطلتها الوحيد أي اليوم الموالي السبت، حين شرعت حركة هواتف غير عادية في بث عدواها إلى الجميع.
الكل يسأل الكل عبر الهواتف، أو الإميلات، أو عبر الفضاء الأزرق « الفيسبوك » الذي أصبح الوكالة الأولى لنقل المعلومة « واش بالصح داكشي اللي وقع لبوعشرين؟ »
ما هو هذا الشيء الذي وقع لبوعشرين؟ ولم كل هذا التأهب لدى الجميع؟ وأي خبر يمس صحافيا ومدير نشر جريدة يمكنه أن يحرك كل هاته الحمية في البحث عن صدقيته باستعجال وليلة عطلة نهاية الأسبوع؟
في مكان ما وسط العاصمة الاقتصادية تلك الأثناء، وبالتحديد داخل عمارة الحبوس بشارع الجيش الملكي كان عشرة من رجال الأمن يدخلون مقر جريدة « أخبار اليوم المغربية ». خمسة منهم دلفوا مباشرة إلى مكتب مدير نشرها توفيق بوعشرين، وخمسة بقوا في الفناء الأولى للمكتب مطالبين ببطاقات تعريف الحاضرين، ومؤكدين أنهم يقومون بعمل روتيني وفق تكليف من النيابة العامة وكفى..
بين رجال الأمن الخمسة الذين دخلوا مكتب بوعشرين وبقوا فيه بعض الوقت رفقته، وبين هذا الأخير لا أحد يعرف بالتحديد سر الحديث الذي دار إلا الحاضرون في ذلك المكتب حينها. الشيء الوحيد الذي يعرفه المتتبعون هو أن بوعشرين خرج مع رجال الأمن الخمسة الذين اتضح أنهم سيذهبون به إلى مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وأن المكتب سيقفل وأن مفاتيحه ستكون في عهدة رجال الأمن باعتبار المكتب « مسرحا للجريمة »
أي جريمة هاته التي كان المكتب مسرحا لها؟ هل ذهب بوعشرين ضحية انتقاداته الصحفية اللاذعة، وهل صدر قرار بإغلاق الجريدة لأسباب سياسية؟ هل للأمر علاقة بأحكام سابقة تخص مدير النشر الشهير الذي جمعته مع العدالة قصص وروايات كثيرة أبرزها قصة الفيلا المعلومة؟ أم أن للأمر علاقة بأموال أجنبية لم يصرح بها؟ أم أن هناك شيئا ما وراء الأكمة سيعلن عن نفسه بنفسه مساء هاته الجمعة التي بدت غير عادية بشكل أكيد
غادر العاملون في الجريدة المقر، وذهب بوعشرين إلى مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وشرع « الفيسبوك » المغربي في كتابة هاشتاغ « #الصحافية ليست جريمة »،وبدأ كل يدلي بدلوه دون أن يكون لدى أي أحد خبرأكيد عما حدث بالتحديد
بلاغ أول: لامعطيات حفاطا على قرينةالبراءة
قرابة الثامنة والنصف ليلا، النشرة الرئيسية للقناة الأولى المغربية تبث بلاغا أولا صادرا عن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضا، يقول بالحرف إن هذا الأخير قد أعلن أنه و «بناء على شكايات توصلت بها النيابة العامة أمرت بإجراء بحث قضائي مع توفيق بوعشرين كلفت به الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.
وأضاف بلاغ النيابة العامة، أنه من أجل ضمان مصلحة البحث، وحفاظا على سريته وصونا لقرينة البراءة، فإنه يتعذر في هذه المرحلة الإفصاح عن موضوع الشكايات.»
عدم التصريح بموضوع المتابعة زاد الغموض غموضا ليلة الجمعة تلك، وزاد مناصري بوعشرين اقتناعا أن الرجل ذهب ضحية قلمه، وأن أشياء ما قد جعلت جهة ما تقرر له المتابعة بسبب مقالاته وأفكاره وما إليه من كلام الصحافة.
إبحث عن المرأة !
يوم كامل من الصمت والبحث عن الأسباب الحقيقية والوقائع الفعلية في الموضوع، سيزداد صبيحة السبت ٢٤ فبراير تشويقا وسخونة، عندما سيتم استدعاء ابتسام مشكور مديرة موقع « سلطانة » وهو واحد من المواقع التي يملكها بوعشرين ويهتم بالمرأة وقضاياها واهتماماتها من جمال وماكياج وطبخ وما إليه، ويتم أيضا استدعاء موظفتي استقبال للمكالمات الهاتفية الواردة على الجريدة، وعلى بوعشرين بالتحديد
هنا شرع المتتبعون للملف في تبادل العبارة بينهم لأول مرة مادام الأمر يتعلق بسلطانة الموقع النسائي وبموظفتين فإنه من الضروري من أجل بعض الفهم تطبيق المثل الفرنسي « إبحث عن المرأة » الذي يلجأ إليه عادة كل حائر في فك أي لغز من الألغاز المستعصية على الفهم أو الاستيعاب
في مواقع التواصل الاجتماعي المغربية ازداد الحماس للموضوع، وبدأ السؤال عن هذا الاستدعاء لمديرة الموقع وللموظفتين وهل هو اعتقال وهل للأمر علاقة بمتابعة متعددة الأطراف، وما الذي يجري بالتحديد مرة أخرى؟
بعد سويعات قليلة عادت الموظفتان إلى منزليهما واتضح أن الأمر لايتعلق باعتقال لهما، ولكن باستماع لإفادتهما في موضوع بعيد جدا عن الصحافة له علاقة كل العلاقة بأشياء حميمية جرت داخل مكتب المدير
ازداد الترقب ترقبا ومديرة موقع « سلطانة » تعود هي الأخرى إلى منزلها مؤكدة أنها لم تعتقل إطلاقا، بل تم الاستماع إلى إفادتها وكفى، وغير الفيسبوك المغربي تماما بوصلة الحديث عن الموضوع من نقاش حول الصحافة والسياسة إلى نقاش حول أمور لها علاقة بالحياة الفردية والحميمية للناس.
شرع بعض المتسرعين في التضامن الأولى مع مدير النشر في طرح السؤال على أنفسهم « وماذا لو كان للأمر علاقة بموضوع غير الصحافة؟ ماذا لو كان بوعشرين متورطا في شيئ آخر يعاقب عليها القانون المغربي فعلا؟ هل الصحافي فوق القانون؟ وهل يبدو التريث في اتخاذ الموقف الأولي هو أفضل شيئ في نهاية المطاف على الأقل قبل ظهور معطيات تؤكد أو تنفي ماشرع الصحافيون المغاربة في الحديث عنه بهمس بينهم؟
بلاغ ثان: اعتداءات جنسية ولاعلاقة بالصحافة
السبت 24 فبراير دائما، بلاغ ثان يصدر بعد الزوال عن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء يوضح الأمور بجلاء ويؤكد أن بوعشرين غير متابع في قضية لها علاقة بالنشر أو الصحافة بل بجريمة اعتداءات جنسية.
نص البلاغ الذي بدا في تلك الظهيرة شيئا مترقب الصدور ومنتظرا من طرف الجميع قال بالحرف إن الوكيل العام للملك « يعلن فيه أنه تبعا للبلاغ الصادر عنه مساء الجمعة 23 فبراير 2018 بشأن البحث القضائي الجاري في حق السيد توفيق بوعشرين، من أجل شكايات تتعلق باعتداءات جنسية، سبق للنيابة العامة أن توصلت بها. فقد تم وضع السيد توفيق بوعشرين رهن الحراسة النظرية الليلة الماضية. وتواصل مصالح الشرطة القضائية أبحاثها في القضية، وقد تم الاستماع لبعض المصرحين وبعض الضحايا وما زال البحث متواصلاً.
ويؤكد الوكيل العام للملك من جهة أخرى أنه خلافا للأخبار المتداولة فإنه لم يتم توقيف أي شخص آخر على ذمة هذه القضية، لحد ساعة صدور هذا البلاغ. كما أن البحث الجاري لا علاقة له بمهنة الصحافة. »
البلاغ الذي حرر بالدار البيضاء في 24 فبراير2018وحمل توقيع الوكيل العام للملكسيفتح المجال طيلة يومي السبت والأحد لعلبة باندورا فتحت بوابتها ويبدو أنها لن تغلق طالما أن موضوع الجنس هذا وفضائحه هو الموضوع الأكثر إثارة لشهية الفضول والقراءة والمتابعة خصوصا عندما يتعلق الأمر بشخصيات مشهورة أو في حكم المشهورة يريد الرأي العام دائما أن يطلع على خصوصياتها وأشيائها الحميمية لكي يقارن بينها وبين مايفعله هو في حياته العادية، وكذلك كان..
حكايات وروايات وأسماء وصحافيات
شرع الوسط الصحافي المصدوم في نسج خيوط هاته الحكاية مع بعضها البعض. استعاد من يعرفون بوعشرين قصصا من هنا ومن هناك عن تواريخ جمعته به أو جمعتهم ببعض الأسماء التي وردت في القصة سواء كن صحافيات أو مستخدمات. بدأ البعض يؤكد وبدأ بعض ثان ينفي ويستبعد، وبدأ بعض ثالث يقول إن المغرب الذي ظل بعيدا عن حكاية « بلغي بخنريرك » أو « مي تو » والتي كشفت فضائح تحرش جنسي كبرى سواء في فرنسا أو في أمريكا والذي رأى في قضية طارق رمضان قبل أسابيع الموضوع الأقرب إليه في هذا المجال قد عثر على منتوج محلي يشبع فيه رغبة الفرجة التلصصية هاته، ويستعيد من خلاله حكايات لطالما سمعها وقرأها عن الكوميسير ثابت وعن أبطال حكايات جنسية آخرين شغلوا الوجدان الجماعي المحلي أشهرا عديدة قبل أن تصبح قصصهم مجرد أساطير تروى على سبيل التسلية والسلام.
كيف ستنتهي حكاية بوعشرين مع هاته الاعتداءات الجنسية المنسوبة إليه؟
علم ذلك عند الله أولا، وعند القضاء ثانيا، وعند الضحية أو الضحايا ثالثا، وعند كل من سيتتبع هذا الملف الصادم الذي يوحي بأنه سيكون ساخنا بكل المقاييس، وحافلا بالمفاجآت والتطورات.