بلغ حزب العدالة والتنمية ست سنوات من تدبير شؤون الحكومة قادما على ظهر شعار براق "محاربة الفساد"، وما إن استمرأ عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق للعدالة والتنمية ورئيس الحكومة المعزول، الكرسي الوثير حتى تخلى عن هذا الشعار مقابل شعار آخر "عفا الله عما سلف". شعار عماده التضليل والتدليس لأن العفو عن المفسدين يكون ضمن سياق واضح. أي إذا كان ضروريا من إدماج بعض الخارجين اقتصاديا عن القانون مع التزامهم باستثمار أموالهم وأداء مستحقات الضرائب والصناديق التضامنية، لكن شعار بنكيران كان يعني "افعلوا ما شئتم فأنتم الطلقاء" فاستمر المفسدون في فسادهم.
شعار عفا الله عما سلف مقترن دائما بالتوبة النصوح، أي التوبة التي لا عودة بعدها للأفعال القاتلة للمجتمع والاقتصاد. وهو قرار أكبر من أن تتخذه الحكومة لوحدها لأنه استراتيجي ولا يدخل ضمن اختصاصاتها. كان المفروض أن يتم اتخاذ مثل هذا القرار في المجلس الوزاري، لكن للأسف الشديد لم يتم اتخاذه حتى في الحكومة، بل صدر عن بنكيران ذات خطاب وذات حماسة.
لكن الشعار الأصلي الذي هو محاربة الفساد تخلى عنه الحزب، لأنه لم يكن شعارا مبدئيا يمكن أن يصبح عنوانا للبرنامج الحكومي في إدارة الشأن العام، وبما أنه كان موجها للاستهلاك الانتخابي فإنه يعتبر مثل كلام الليل الذي تذهب به ريح النهار، وتنصل بنكيران وحزبه للوعود الانتخابية التي قطعوها على أنفسهم.
غير أنه لابد من فهم لماذا حزب العدالة والتنمية بعد ست سنوات من قيادة الحكومة جعلنا في سلم متأخر من حيث محاربة الفساد، الضارب أطنابه في كل المستويات. الفساد اليوم بنية. فليس من باب النافلة أن يقوم جلالة الملك محمد السادس بزلزال سياسي ما زال ممتدا. لأنه أراد أن يحرك من موقعه الصخور المتكلسة والراكضة، ولأنه غاضب من طريقة الحكومة في محاربة الفساد، رغم أنها حكومة تتوفر على قوة دستورية كبيرة وترسانة قانونية لم تتوفر لغيرها.
محاربة الفساد من مهام الحكومة في الأصل. لأن هذه الأخيرة هي التي تعود إليها كل الإدارات. والإدارات هو المكان الأول الذي تعشش فيه كل مظاهر الفساد. لكن الحكومة اهتمت بشيء آخر. اهتم كل حزب بما سينتزع من مناصب عليا واهتمت التوحيد والإصلاح من خلال أداتها الوظيفية العدالة والتنمية بالتمكين كما خططت له، وتركوا المعركة الحقيقية ولا معركة دونها اليوم ألا وهي معركة محاربة الفساد باعتبارها أم المعارك التي من غيرها لا يمكن الحلم بأي إقلاع اقتصادي واجتماعي كيفما كان.
العدالة والتنمية رفع شعار محاربة الفساد بشكل يخلق الالتباس وسط المواطنين، لأنه كان يرغب في استقطاب القاعدة الكبيرة من الناخبين التي تفهم الفساد بأوجه مختلفة عن الفساد الحقيقي المخولة إلى الحكومة بمحاربته، كانوا يسعون إلى الخلط بين الفساد في سياقه القانوني والفساد الأخلاقي.