بداية ينبغي التأكيد على أن عبد الإله بنكيران، هو الزعيم الفعلي للمجموعة الإسلامية المندمجة سياسيا، وهو مهندسها وبانيها، وكان سعد الدين العثماني مساعدا فقهيا ومحمد يتيم منظرا إيديولوجيا، بينما الفكرة الرئيسية تخرج دائما من رأس بنكيران، وهو الذي أبدع حكاية "الحكيم"، اللقب الذي خلعه على الراحل عبد الله باها، وعبر هذه الآلية مرر كثيرا من الأمور الكبيرة، حيث كان يحدث رفيق دربه عن القضية التي يريد طرحها للنقاش ويقنعه بها وكان رجلا بسيطا، وفي الاجتماع يدافع عنها باها ويقره بنكيران بقوله "قالها الحكيم" وهي في الأصل فكرة بنكيران. عملية روسيكلاج خطيرة.
طوال أربعين سنة ظل بنكيران متزعما للمجموعة المذكورة بشكل أبوي، رغم أنه لم يكن يمتلك مقومات الشخصية الكاريزمية، لكن استطاع بحكم عوامل اجتماعية أن يقود هذه المجموعة، ويصيغ توجهها ويرسم لها حتى مستقبلها، لكن لم يكن يعتقد في يوم من الأيام أن ربيعا عربيا سيمنحه منصب أول رئيس حكومة دستوري في تاريخ المغرب، وهو لقب لم يحمله قبله سوى الراحل عبد الله إبراهيم لكن وقتها لم يكن القانون الأساسي للبلاد قد تم إقراره.
بنكيران كان في القيادة أو أُبعد عنها ظل هو الزعيم. لما تمت الوحدة بين الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي، رفض أعضاء هذه الأخيرة رئاسة بنكيران للحركة. فتراجع للخلف قائلا "ما خاصني رئاسة كلشي كنديرو فسبيل الله". وتحول إلى مدير جريدة يذهب إلى الندوات الصحفية. لكن ظل يمسك الخيوط بيده من خلال إمساكه بالمعلومات، فهو أول واحد في المجموعة استطاع ربط علاقات بدوائر السلطة والمخابرات.
يمتلك القدرة على المراوغة. حتى إبعاده يجعل منه أداة للانتصار عندما يصور نفسه غير راغب في أي منصب. وعندما يكون متحكما في حزب العدالة والتنمية لا يبالي بالتوحيد والإصلاح لأنها في "جيبه" كما يقال، حيث حافظ على عادة نادرة لدى الزعماء ألا وهي الاجتماع على وجبة الكسكس كل جمعة في بيته مع قيادة الحركة.
اليوم تغيرت الأوضاع ومن كانوا بالأمس يرون فيه الأب الحاني أصبحوا اليوم وزراء ومسؤولين وفتحوا قنوات لم تكن تُفتح إلا بوجوده، ولم يعودوا اليوم يشعرون بعدم الحاجة إليه ولكن يحاولون قتله وفق المنظور الفرويدي والتخلص من تبعات التبعية له.
فهم بنكيران أن اللعبة اليوم تقتضي هيمنة تيار الوزراء على الحزب وأن تيار الولاية الثالثة ليس موال له بوفاء وإنما يستعمله كورقة ضغط فقط. بنكيران ليس ممن يخرج "من المولد بلا حمص" بتعبير المصريين. لهذا يحاول الالتفاف على الحزب من باب السيطرة من جديد على الحركة وعدم الاكتفاء بوضع مساند له داخلها. الحركة هي التي صنعت الحزب وبما أنه هو صاحبها فيريد إعادتها إلى بيت الطاعة ومن خلالها السيطرة على الحزب، وإذا لم يتمكن من ذلك فستكون أداة شق الحزب إلى حزبين أو أكثر.
Annahar almaghribiya