في السنوات الأخيرة، هبت على المشهد الديني المغربي رياح عاصفة من التبشير والدعوة إلى التشيع والبهائية وانتهاء بما وصف بظاهرة الإلحاد، فكان رد السلطات عليها مختلفا بين اللين والشدة .
فعندما تعلق الأمر بالتبشير جرى ترحيل العشرات من البلاد، وكانت أشهر حادثة هي ترحيل سبعة هولنديين عام 2010 اتُهموا باستغلال إحدى دور الأيتام للقيام بمهمتهم خفية، مما أدى إلى احتجاج هولندي رسمي عززته دعوة أمستردام الاتحاد الأوربي لمراجعة اتفاقياته التجارية مع المغرب.
وفور قطع المغرب علاقاته مع إيران عام 2009، شرع المغرب في حملة لما وُصف بـ "تجفيف لمنابع التشيع في المملكة" متهما طهران بالمساس "بوحدة المذهب المالكي" بالبلاد.
كما أصدرت الرباط قراراً يمنع عددا من البهائيين من إقامة احتفالات رسمية في شهر أكتوبر الماضي، بمناسبة مرور 200 سنة على ولادة بهاء الله.
وسبق أن أثار المجلس العلمي الأعلى في المغرب جدلا كبيرا بعد إفتائه بقتل "المرتد"، قبل أن يتراجع عن ذلك تحت ضغط منظمات حقوقية.
لكن أين موقع الإلحاد واللادينية من هذا؟ وهل صارا "ظاهرة" في البلاد أم أنهما لم يصلا بعد إلى هذه الدرجة؟! وهل أسهم الاإنترنت في نشر توجهات عقائدية جديدة في مجتمع كالمجتمع المغربي؟
أرقام غائبة
لا توجد نسبة، ولو تقديرية، حول أعداد "اللادينيين" أو "الملحدين" أو "اللاأدريين" في المغرب أو منطقة شمال أفريقيا برمتها، وذلك لأن الموضوع لا يزال يشكل تابوها في دول تكاد تجمع كل دساتيرها على أن "الإسلام دين الدولة".
وإذا كانت الإذاعات التبشيرية ولا سيما في التسعينات وسيلة استخدمها المبشرون ليجعلوا الآلاف يتحولون عن الإسلام إلى المسيحية، فإن وسائل الاتصال الحديثة مثلت فرصة للادينيين لتشكيل مجموعات للتواصل في ما بينهم ودعوة غيرهم من خلال غرف الدردشة ومواقع التواصل، إذ أصبحت هناك صفحات تجذب آلاف المعجبين كصفحة "ملحدون مغاربة" و"كافر مغربي" ومجموعات سرية "كدار الأرقم" وغرف على مواقع المحادثة "البالتوك" كغرفة "مغاربة علمانيون من أجل الحرية".
"نحو اللادينية ببطء ولكن بثبات"
يقول الشيخ محمد الفيزازي، أحد رموز التيار السلفي في المغرب، في حديث مع موقع بي بي سي عربي إن الانترنت لعبت بالفعل دورا في نشر الإلحاد كما لعبته في "نشر الإرهاب الذي ينتشر هناك أكثر مما ينتشر على أي وسيلة أخرى، كالفضائيات ووسائل الإعلام التي يُعرف أصحاب مالكيها".
ويُشبه الفيزازي الإنترنت بباب مفتوح "لا يحتاج تأشيرة ولا مرورا عبر الجمارك، لذلك ولد ظاهرة الدعاة للإلحاد كما ولد دعاة للإيمان".
أما هشام نوستيك المعروف بلقب "كافر مغربي"، والمعروف بتسجيلاته التي ينتقد فيها الإسلام فيقول إن :"الإنترنت أصبحت أقوى سلاح ضد التلقين لأنها سهلت الحصول على المعلومة"، فأنت اليوم، كما يقول هشام: "لا تحتاج لقس أو إمام لتطَلع على النصوص وشروحها".
ويضيف قائلا: "طبعا المستفيدون من بقاء الأديان بسبب الإيمان الأعمى أو الأجندات المختلفة لن يستسلموا بدون قتال. هذا القتال الذي سيتحول لاحتضار هو الذي نعيشه اليوم على الإنترنت والقنوات الفضائية".
كما يصر على أن : "المستقبل للعقلانية والإنسانية. طال الأمر أو قصُر ستنتهي الأديان بشكل أو بآخر".
وهذا ما يختلف معه الشيخ الفيزازي مؤكدا أن : "الإلحاد كان أولى به أن يكتسح العالم في عصره الذهبي أيام قوة الاتحاد السوفييتي السابق حيث كان الإلحاد عقيدة محمية بالحديد والنار والجيوش الجرارة".
ولذلك، يضيف الفيزازي، : "فإن القضاء على الإلحاد كما هو القضاء على الإيمان أمران مستحيلان، لأن الإنسانية قائمة على هذا الاختلاف في أصلها".
أما سعيد بن جبلي، وهو باحث مغربي مهتم بنقد الأديان ومقيم بمدينة بوسطن الأمريكية، فيقول إنه سيكون هناك حتما دور للدين على المديين القريب والمتوسط في مجتمعات شمال أفريقيا. لكنه يضيف أن هذا الدور سيكون عرضة للتطور، ضاربا المثل بما يسميه "الاسلام المعاصر الذي تطور من جميع أطياف التوجهات الإسلامية. بما فيها السلفية أو الوهابية التي أنتجت بوادر وهابية علمانية أو سلفية علمانية في المغرب مثلا".
ورغم ذلك يؤكد أيضا أن المجتمعات تتجه نحو "اللادينية ببطء ولكن بثبات".
"تفتيش ضمائر الناس"
هشام نوستيك، المقيم حاليا في كندا وسابقا في ألمانيا، يرفض الكشف عن هويته ويكتفي باسم مستعار وتسجيلات صوتية قائلا : "هل سيتحول الحديث الصحيح إلى حديث ضعيف إذا كشفت وجهي؟"، ودفاعا عن تمثيلياته الساخرة التي تتحدث عن فجر الاسلام يقول إن: "واجبه الإنساني يتمثل في فضح كل ما هو لا إنساني، أظن أن الوقت قد حان لنلتحق بركب من سبقنا".
والسخرية لدى هشام "أداة مشروعة للنقد والأديان مثلها مثل جميع الأيديولوجيات مجرد أفكار لا حقوق ولا قداسة لها إلا عند من يؤمن بها. السخرية تنزع ثوب القداسة عن القبيح وتظهر قبحه".
بالمقابل، يؤكد الشيخ الفيزازي أن القانون المغربي يعاقب رسميا على المساس بأي دين أو النيل من أي شخصية مقدسة أو السخرية من أي كتاب سماوي.
يُذكر أن الفصل 220 من القانون الجنائي المغربي ينص على أن "من استعمل العنف أو التهديد لإكراه شخص أو أكثر على مباشرة عبادة ما أو على حضورها، أو لمنعهم من ذلك، يعاقب بالسجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة تتراوح 200 إلى 500 درهم. ويعاقب بالعقوبة نفسها كل من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى".
ويقول الفيزازي إن "العيب كامن في أن المشرفين على نشر الإلحاد نشطون ومخلصون ومجتهدون ومن هنا يأتي دور المؤسسات الرسمية الدينية "وزارتا الأوقاف والتعليم على وجه الخصوص اللتان لا تؤديان واجبهما".
ويضيف: "نحن نفتقر إلى استراتيجية لتحصين الناشئة والمجتمع من الإلحاد سواء في منابرنا الاعلامية أو مدارسنا أو مساجدنا".
وفي هذا الإطار يقول الناشط الأمازيغي، عمر إسرى: "لا حق لي بتاتا ولا حق للدولة أن تقوم بالوصاية على الناس وتفتيش ضمائرهم هل هم مسلمون أم لا".
عبارة "الإسلام هو دين الدولة" يضيف إسرى "أصبحت مدخلا لاضطهاد الأقليات الدينية وعدم الاعتراف بحقها في حرية المعتقد، وأنا شخصيا لست ضد هذه العبارة في حد ذاتها، ولكن على أساس أنها تعني أن هذا الدين الرسمي هو فقط انتماء رمزي لا غير، دون الاعتماد عليه كمصدر للتشريع، ففي دول مثل المغرب من الإيجابي أن تكون هناك إمارة للمؤمنين ومجلس أعلى للعلماء، والدولة من حقها مراقبة المساجد وتعيين الأئمة وكتابة الخطب .. ولكن فقط من أجل حماية المجال الديني وعدم تركه لجهات أخرى يمكن أن تستغله لنشر أفكار قد تكون متشددة".
"حطب جهنم"
هشام نوستيك يؤكد أن السبب الرئيسي لوجود الأديان هو التلقين الديني في الطفولة. "لو تركنا الناس يبلغون سن الرشد ثم حدثناهم لأول مرة عن الأديان وقصصها العجيبة لما آمنوا بها. والدليل على ذلك أنك عندما تحدث مؤمنا بدين ما عن معجزات دين آخر فردة فعله تكون عادة اللامبالاة وقد يضحك أو يسخر منها في بعض الأحيان".
ويتساءل هشام : "هل من الجيد أن تضيع فرصة عمل بسبب حرام في الدين؟
هل من الجيد أن تتعرف على ثقافات وأديان أخرى وأنت مؤمن بأن أصحابها حطب جهنم؟
هل من الجيد أن تقبل الفشل أو المعاملة القاسية بسبب القضاء والقدر؟
هل من الجيد أن يكون شريك الحياة من دين آخر وتؤمن أنه سيكون في جهنم خالدا فيها بينما أنت تنعم في الجنان؟"
لكن الشيخ الفيزازي يؤكد أن "دوافع الملحدين ليست بريئة وهي مختلفة فمنها ما هو سياسي لتطويق جماعة ما أو ما هو اجتماعي اقتصادي محض أو ما هو مبني على أسس علمية" .
قبل أربعين سنة، يقول الفيزازي، "كان الإلحاد منتشرا في صفوف المتعلمين وفي الجامعات بالخصوص ،إذ لا يمكننك أن ترى محجبة واحدة ولا ملتحيا واحدا كما يستحيل أن يبدأ الأستاذ درسه بالبسملة فضلا عن أن تقام الصلاة، أما الآن فالجامعات أصبحت كلها مساجد والوضع كله تغير".
أما عمر إسرى فيقول إنه يعتقد أنه سيكون من الصعب جدا للمغرب أن يحافظ على "دين الدولة" وما يسمى "الأمن الروحي" أو وحدة الدين أو المذهب، فكثير منهم اليوم يتركون دينا ويلتحقون بآخر، وكثير منهم صاروا ملحدين أو لادينيين بسبب الإنترنت وحدها".
ورغم ذلك، فلا يمكن تسجيل سوى تقدم طفيف في البلاد بخصوص الاعتراف بالتعددية الدينية والإعتقادية خصوصا عند الحديث عن بعض القوانين الزاجرة للمفطرين في رمضان، أو اضطرار مسيحيي المغرب لممارسة أنشطتهم الدينية سرا، خشية المتابعة القضائية، أو خوفا من المجتمع نفسه في كثير من الأحيان.