تسابقت القنوات التلفزيونية الأمريكية في عرض صورة مركبة لمشهدين، يرتبطان بمأساة إطلاق النار بإحدى ثانويات ولاية فلوريدا الذي خلف 17 قتيلا، تستدعي الكثير من الانتباه. في المشهد الأول تدفقت صور جنائز الضحايا الشباب، المفعمين بالحياة والمبتسمين دائما حسب الصور المعروضة لهم، ومعها اكتشفنا حزن عائلات فقدت فلذات أكبادها للأبد، وآباء لم يقووا على الوقوف أو الإدلاء بتصاريح للأطقم الصحفية الحاضرة، لكن دون أن تخنقهم مشاعر الحزن هذه. في المشهد المقابل، بدا القاتل واثقا من نفسه، حليق الوجه، في أول مواجهة مع هيئة القضاء، دون أدنى آثار لكدمات أو تورمات ناتجة عن تعنيف بعد الاعتقال. هنا دولة الحق والقانون لا تترك أدنى فرصة لطغيان شعور الانتقام، ومن حسن الحظ أن الأمور هناك تسير بهذه الطريقة.
التقابل في المشهدين في الحادث الأمريكي يفتح المجال أمام نقاش يتعلق بالإعدام. مناهضو العقاب الأكبر يحاجون منتقديهم بالقول إن المجتمع لا يسعه أن يكون همجيا كما القتلة، وبالتالي لا حق له في انتزاع الحياة من منحرف مهما بلغت جرائمه من مستويات مأساوية. كما يحتفظون بإمكانية الخطأ القضائي كورقة ثانية للدفاع عن هذا الرأي.
غير أنه في بعض الحالات، وأمام خطورة الأفعال المرتكبة في بعض الجرائم، تصبح هذه التبريرات صادمة للشعور الإنساني. صلاح عبد السلام، متورط في مقتل 130 شخصا بمبرر إيديولوجي محض، سيحيا عمرا مديدا كيفما شاءت أقداره. يتحدى عائلات الضحايا، والدولة، والنظام القضائي، والمجتمع عبر لجوئه إلى الصمت ورفضه الإدلاء بأية شهادة، أو تصريح أمام هيئة المحكمة. شكل آخر من التعذيب لكل هؤلاء الذين فقدوا عزيزا أو ابنا، فقط لأنه كان في حفل موسيقي.
أحد القاتلين بالتسلسل في الولايات المتحدة اعترف للتو بـ17 جريمة قتل جديدة، بعد أن حكم عليه سابقا في 70. الولاية التي يحاكم فيها لا تصدر فيها أحكام بالإعدام، والمعني بالأمر سيظل وراء القضبان طيلة ما تبقى من أيام حياته. نساء أمريكيات تعرضن الزواج عليه، ويتسابق كتاب ومخرجون لتدوين سيرة حياته أو تصويرها في أشرطة وثائقية. يحظى القاتل في هذه الحالة بنوع من «الاعتراف»، بينما لم يقم في حياته سوى بانتزاع حياة الآخرين بكل المجانية الممكنة.
ولأننا في المغرب نقلد كثيرا، ترتفع الكثير من الأصوات هنا لتطالب بإلغاء عقوبة الإعدام، في تماه كامل مع الذرائع التي سيقت أعلاه، في الوقت الذي لا يخلو مجتمعنا من حالات مماثلة لهؤلاء الهمج. إرهابيون في المقام الأول، بدون أدنى احترام لكرامة حياة البشر، والأطفال في مقدمتهم، ويتبارون مع نظرائهم في إطلاق فتاوى تجمد الدم في الشرايين، حول مشروعية القتل الجماعي.
ثم هناك البيدوفيليون. الوحوش الآدمية التي تغتصب وتقتل الأطفال، كما حدث في تارودانت قبل سنوات، حيث بلغت الفظاعة بأحدهم إلى تصفية عشرين طفلا. كيف يمكن اعتبار حياة هؤلاء الهمج أهم من حياة طفل بريء؟ لماذا يفترض في دافعي الضرائب ضمان التغذية اليومية والمتابعة الطبية لهؤلاء الوحوش؟
إلغاء عقوبة الإعدام على هؤلاء القتلة أمر لا يستقيم. صحيح أن القضاة وحدهم من يملكون مشروعية إصدار أحكام مماثلة، وأن التفاوتات قائمة بين الحالات، لكن جرائم بهذه البشاعة تستحق الإعدام حقا.
إقامة العدالة لا يعني الانتقام، لكن بالمقابل يبقى سؤال حقوق الضحايا في رد الاعتبار قائما. إذا قتل أحدهم ابنك بعد اغتصابه، هل تطيق رؤيته حرا طليقا بعد قضاء مدة الحكم؟ هذا ما يحصل بالضبط في الأحكام العادية أو المخففة. وحدها عقوبة الإعدام تعادل فظاعة هذه الجرائم.
أحمد الشرعي.