المصطفى الإسماعيلي
نشرت جريدة "الأحداث المغربية" في عددها الصادر ليوم الأربعاء 21 فبراير معلومات مثيرة عن داعشي تربى في حضن البوليساريو. لقيمة المقال والمعلومات المتضمنة فيه نعيد نشره بالكامل عن الجريدة.
بعد أيام من نجاح العملية النوعية والاستباقية التي قام بها المكتب المركزي للأبحاث القضائية، والتي أفضت إلى تفكيك خلية إرهابية تنشط بين العيون وسلا ومراكش، بدأت تنكشف معلومات عن أحمد سالك التوبالي، زعيم الخلية الإرهابية، وهو الذي تربى واعتنق مبادئ الانفصال في مخيمات تيندوف، قبل أن ينتهي به المطاف بين أحضان الفكر المتطرف لداعش. وتحت هذه اليافطة الجديدة هيأ لاستهداف المملكة بعمليات إرهابية نوعية كانت تستهدف أماكن حساسة وشخصيات عمومية بالتفجير والاغتيال.
حاضنة الإرهاب والتطرف
أحمد سالك التوبالي، المولود في العام 1994، بمخيم العيون في تندوف، عاش لفترة في مخيمات الجنوب الجزائري، وهناك نهل من فكر الانفصال في أسرة كل أفرادها يعادون الوحدة الترابية للمملكة. بعد دراسة ابتدائية بإحدى مدارس تندوف التحق بالجزائر العاصمة، قبل أن ينتقل إلى ولاية سيدي بلعباس من أجل الدراسة الثانوية، والتي لم تكن موفقة، حيث ألحق، وبتوجيه من قيادي في البوليساريو، إلى أحد معسكرات الأخيرة، من أجل التدرب على حرب العصابات واستعمال الأسلحة، وهناك قضى ثمانية أشهر في الخدمة لدى مديرية المواصلات العسكرية المذكورة، وقد تمكن خلالها من الاطلاع على المراسلات القادمة، المتعلقة بنقل الأسلحة، خصوصا بنادق كالاشينكوف ودوشكا، وبالعجلات وقطع الغيار الخاصة بعربات «طويوطا»، وكذا بقطع الدبابات المفككة القادمة من ولاية «بشار» و«ورگلة» بالجزائر، المنقولة في اتجاه المركز الإداري لمخيم «رابوني».
في هذه الفترة بدأت ميول التوبالي نحو أفكار التطرف والإرهاب، ليتم استقطابه من قبل سلفي صحراوي، وذلك بعلم من قيادة البوليساريو. في هذه الأثناء ومع توهج تنظيم داعش في سوريا والعراق التحق التوبالي بمخيم بوجدور في تندوف ولم يبق فيها إلا لفترة قليلة، قبل أن يتلقى إشارة من أجل الالتحاق بإحدى معسكرات داعش، مستعملا جواز سفر جزائري. فشل التوبالي في الالتحاق بالتنظيم المتطرف، فغير الوجهة، ومرة أخرى بتوجيه من قيادة الانفصاليين نحو مدينة العيون، وذلك في بداية 2016، ومنذ هذه الفترة بدأ في استقطاب الشباب المغاربة الصحراويين، من أجل خدمة أجندة داعش وبتوجيه من قيادة البوليساريو، بهدف زعزعة استقرار المملكة، غير أن الضربة الاستباقية في 15 فبراير الجاري للمكتب المركزي للأبحاث القضائية أجهضت مخطط البوليساريو قبل الانتقال إلى الفعل على الأرض.
الجامعة الجزائرية.. مركز الاستقطاب
سواء في جامعة الجزائر العاصمة، أو جامعة عنابة، وخاصة في «جامعة ابن باديس» في مستغانم، عادة ما يتم استقطاب شباب البوليساريو لاعتناق مبادئ التطرف والفكر الجهادي، وذلك بعلم من قادة البوليساريو وتحت أنظار المخابرات العسكرية الجزائرية، والتي تخصص فرقا خاصة مهمتها مراقبة شباب البوبيساريو الملتحق بالجامعات الجزائرية مخافة عودتهم بطريقة أو بأخرى إلى المغرب. وعادة ما يستغل الطلبة الانفصاليون العطل المدرسية ووجودهم بالأحياء الجامعية للالتقاء بشيوخ مكلفين بالتجنيد، قادمين من مخيمات تندوف، حيث يقوم هؤلاء بنشر أفكار السلفية الجهادية في أوساط الطلبة، وهذا يكشف أن البوليساريو لم تكن الوحيدة التي سمحت لشبابها وطلابها بالانفتاح على أفكار التطرف والإرهاب، بل حتى الجزائر انخرطت في هذا التوجه، ولعل فتح جامعاتها في وجه المتطرفين لاستقطاب الشباب الصحراوي خير دليل على ذلك، لأنه يستحيل أن يتم ذلك دون علم المخابرات الجزائرية.
عمليات استقطاب الشباب الصحراوي نحو أفكار التطرف لا تقتصر على الجامعات فقط، بل حتى المدارس الجزائرية أصبحت واجهة لذلك، وفي هذا الإطار كان أحمد السالك توبالي، زعيم الخلية الإرهابية التي فككت مؤخرا، قد تلقى ورفاقه الطلبة في ثانوية «السايح محمد» نصف الداخلية الموجودة بـ«رأس الماء» بمدينة بلعباس الجزائرية، في غضون عطلة نهاية سنة 2014، زيارة ستة سلفيين جهاديين قادمين من مخيمات تندوف، تم استقبالهم من طرف «م. ط. ل»، وكان آنذاك يتابع دراسته الجامعية ببلعباس.
ولم تقتصر عمليات الاستقطاب نحو الفكر الجهادي في الجامعات والمدارس الجزائرية، بل حتى مخيمات تندوف تشهد نفس العملية. ففي هذه الأخيرة يلاحظ حرية ملحوظة في تنظيم اللقاءات المنزلية لاستقطاب، وتأطير وتلقين الشباب أفكار التطرف، مثل ما يفعل أحد أساتذة التعليم الابتدائي اسمه «م»، يعمل بمدرسة «أم التريگة» في مخيم «السمارة»، حيث يواظب على استقطاب تلامذته نحو التطرف، وكذا تلاميذ المدرسة الآخرين.
ذر الرماد في العيون
بعد تشديد التحذيرات الغربية على قيادة البوليساريو، التي تتساهل في السماح للشباب الصحراوي في مخيمات تندوف على الالتحاق بمناطق التوتر العديد وفي المقدمة منطقة الساحل والصحراء وسوريا والعراق، أعطى الرئيس السابق للانفصاليين محمد عبد العزيز، وبتوجيه من المخابرات العسكرية الجزائرية أوامره لمن يسمى بوزير الدفاع آنذاك، لإقامة حواجز التفتيش عند مخرج مخيم «العيون» في اتجاه تندوف، من أجل وضع حد لانسياب المرشحين للالتحاق بصفوف التنظيمات الإرهابية عبر الجزائر وليبيا صوب معسكرات التدريب التابعة للمجموعات الإرهابية. إجراءات التشدد في الرقابة على مخارج مخيمات تندوف اعتبرت من قبل العديد من مراكز الرصد للتنظيمات الإرهابية أنها مجرد ذر للرماد في العيون، ومحاولة للالتفاف على تنبيهات الدول الأوروبية وأمريكا من أن قيادة البوليساريو تمد التنظيمات الإرهابية بالعناصر البشرية المدربة على حرب العصابات.
غير أن هذه الإجراءات وحتى ولو كان من أجل التمويه، قد تم العدول عنها بعد وفاة محمد عبد العزيز، حيث أصبح التحاق الشباب الصحراوي بالمجموعات الإرهابية يتم علنا، حيث إن شباب البوليساريو الجهاديين المستفيدين من تدريب عسكري، أصبحوا يتمكنون من بلوغ مناطق القتال عن طريق العبور من الجزائر وليبيا، كحال «ط. م. ل» و«ص. ن» القاطنان بما يسمى «ولاية بوجدور» و«م. أ. ن»، وكلهم تمكنوا من الوصول إلى جبهة القتال المذكورة بفضل وساطة محمد لامين حبوب، الذي يتحدر من قبائل الرگيبات السواعد ويسكن في مخيم «بوجدور» بالمنطقة الرابعة التابعة لتندوف، وهو من سبق أن تكلف باستقطاب وتجنيد أحمد السالك توبالي لصالح الفكر الداعشي.