في العددين السابقين تناولنا حركة 20 فبراير بما لها وما عليها، ومما وصلنا إليه من خلاصات أن الحركة، التي انطلقت في البداية متأثرة بما جرى في الشرق، كانت عفوية نسبيا، لكن تم التلاعب واللعب بها وتوظيفها لأغراض غير بريئة وغير تلك التي من أجلها خرج الشباب، مما يدفعنا إلى التساؤل اليوم بعد سبع سنوات من تلك الحكاية: هل كان الشباب على وعي بما جرى؟
من الصعب الجواب على سؤال مثل هذا، لأنه يحتاج إلى مسح شامل للمشاركين، ولكن نقول إن الترويج للربيع العربي كفكرة شكلت "روح الجماهير" بتعبير غوستاف لوبون، وهي المعادل لـ"اللا شعور" عند فرويد. هذه الروح اخترقت الشباب حتى وهم متباعدون، وكان عالم الاجتماع الفرنسي يتحدث في القرن التاسع عشر ولو كان في قرن الثورة التقنية وعصر مواقع التواصل الاجتماعي لابتهج لفتوحاته الفكرية، وبالتالي نرى أن الأكثرية لم تكن واعية باللعبة التي دارت حولها وحولت الحركة برمتها إلى لعبة.
بمعنى من المعاني كان الشباب متجها نحو الشارع بفعل "الروح الجماهيرية" لا بفضل الوعي الفردي، وبالتالي طغى التسطيح على الأفكار المتداولة وحتى المطالب. كون الشباب مسكونًا بروح المغامرة لما يصبح وسط الجمهور أعطى للحراك دفعة قوية في بدايته، لكن تبين فيما بعد أنهم مجرد حطب جهنم السياسيين وشيوخ النضال.
عموم الشباب انخرطوا في الحراك بدون وعي. وأغلبية خصوص هؤلاء الشباب، الذين دونوا الصفحات الاجتماعية وصاغوا النداءات فعلوا ذلك بدون وعي وبتأثير مما يجري حولنا في المنطقة. وخصوص الخصوص من الشباب كانوا على علم تام بما يجري ويدور وبما يتم التهييء له، ورسموا أهدافهم بدقة، منهم من حققها ومنهم من تاه وسط زحمة الأحداث لم يلو على شيء.
هذا الخصوص كان منخرطا في اللعبة، لكن في مستوياتها الدنيا باعتباره لا يملك خبرة تحقيق المصالح وإنجاز المهام، ولكن يتوفر على قابلية للتوظيف والقابلية ليكون موظفا، وفي هذا السياق لم تأت اللقاءات التي أجراها مجموعة من الشباب مع مسؤولين بالسفارة الأمريكية مجرد صدفة، خصوصا وأن هناك خلية بكل سفارة أمريكية مهمتها تمويل وتأطير ما يسمى قيادات المستقبل.
هذه اللقاءات تبين أن هناك لعبة تم لعبها على هذا المستوى، وكان خصوص الشباب على دراية بها وبعضهم منخرطا فيها، لكن اللعبة الكبيرة التي دارت على الشباب وطوقت عنقه هي لعبة شيوخ النضال، أي التنظيمات التي تعرف كيف تقتنص الفرص وتستفيد من ثمار النضال الجماهيري، حيث سطت، كما قلنا سابقا على الحراك وحولته إلى مجرد أداة وظيفية لتحقيق مكاسب سياسية، وهذا ما يدفعها اليوم إلى محاولة إحياء الحركة علها تكون سببا في تحقيق مكاسب زائدة.
الحراك الشبابي تداخل فيه المحلي والإقليمي والدولي، وعلى كل مستوى من المستويات دارت اللعبة، بدءا من القوى الكبرى مرورا بالفاعل الإقليمي أو الراعي العربي للربيع العربي وصولا إلى تنظيمات الإسلام السياسي التي تلقفت الصفقة واستفادت منها لكن الشباب لم ينتبه إلى أنه كان مجرد أداة.