بقلم: المختار لغزيوي
أين ذهب سياسيو البلد أيها السادة؟ أين قياداتنا الحزبية؟ ولماذا دخلت في هذا البيات الشتوي الغريب؟
كل من تسأله هاته الأيام عن حالة سياسة الوطن، سيجيبك بنفس الرد: باستثناء حزب واحد هو الذي يتحرك الآن في الساحة لكي يلم شتاته التنظيمي، ولكي يخرج من صورة قديمة نحو صورة أكثر حداثة، الجميع في حالة بيات في انتظار شيء ما غير محدد.
«علاش؟»
لا أحد يدري، خصوصا وأن الدخول السياسي كان ساخنا - منذ الانتخابات وحتى ما أسماه إعلام ابن كيران «البلوكاج»، مرورا بالإعفاء وتعيين العثماني، ثم الزلزال السياسي وما إليه من تطورات هامة، وهو ما منحنا على امتداد أشهر الوهم أن أحزابنا ستفهم الرسالة الملكية جيدا، وأننا سنعيش خمس سنوات من اعتمال الحياة والعنفوان السياسيين في البلد، لكننا على ما يبدو كنا متفائلين أكثر من اللازم بخصوص هاته الأحزاب، أو بخصوص أغلبيتها على الأقل.
حتى ابن كيران، الذي ألف أن يسلي الجموع بخرجاته، كانت خرجته الأخيرة أشبه بعملية انتحار خطابية ارتكب فيها من الهفوات الكلامية ما لم يرتكبه على امتداد سنواته الخمس الحكومية، ومنح الناس الإحساس أنه خرج لكي ينفس عن غضبه فقط، قبل أن يعود لالتقاط الصور قرب المدخنة الشهيرة مع الشبيبة، ومع الزوار، ومع العابرين من بيته يقولون له إنه الزعيم الأوحد والبقية كلها مجرد هراء.
اليوم نحتفل - كل حسب موقعه - بمرور سبع سنوات على ما أسميناه في حينه وأوانه «البيك - نيك» الديمقراطي نهاية كل أسبوع، أي مظاهرات يوم الأحد التابعة للعشرين من فبراير.
حينها كان يلتئم شباب وآخرون أقل شبابا كل أحد لكي يصرخوا في الشارع مطالبهم، ولكي يتفرقوا في بداية الزوال، مع وعد بالالتقاء الأحد الموالي من أجل الشعارات نفسها، أو من أجل شعارات أخرى.
في الحكاية، وإن كانت تبدو ساذجة بالنسبة للبعض، ريح مطالب تجديد بدت للبلد كله ضرورية في ذلك الحين. شباب الوقت الحالي ملوا الوجوه الشائخة التي لا تعني لهم شيئا، والتي ينبغي لكي تعرف ما فعلته أن تعود إلى كتب التاريخ، إن كان لها أثر في هاته الكتب، ينبغي أن تطلب لله أن تكون المعلومات التي تطالعها عنها صادقة وصحيحة، وليست منفوخة بأكاذيب الحواريين والمقربين الذين ينقلون عن هذا التاريخ ما يشاؤون، ويمحون منه تماما الأشياء الأخرى التي لا تروقهم.
رغبة التجديد هاته- وهي غبة مشروعة جدا وعادية ولها علاقة بتطور الوقت، وبدورة الحياة التي لا تقف عند أحد نهائيا- لاقت مقاومة شديدة من طرف ملاك مفاتيح الأحزاب. المعادلة كانت بسيطة للغاية: إذا وقع هذا التداول على تسيير الشأن الحزبي المغربي فمعنى الحكاية أن عددا كبيرا ممن كانوا دوما المستفيدين الوحيدين والأبديين سينقرضون، وهذه الخلاصة البسيطة كانت مرعبة وغير قابلة للمناقشة بالنسبة لمن ألفوا الاستفادة عن وجه حق، أو عن ظلم.
لذلك وقع تحايل كبير على الحكاية كلها، انتهت بفعل تكالب عديد عوامل الزمن والتعرية عليها إلى ما انتهت إليه: غير مسلية، وغير مغرية بالمشاهدة على الإطلاق.
لننس حكاية العشرين من فبراير وقد قلناها في زمنها، ولا زلنا على القول ذاته: إن تحويلها إلى مطية من طرف عديد الأطراف سيقتلها وكذلك كان والرحمة تجوز على الأحياء وعلى الأموات على كل حال، ولنعد إلى الزمن الحاضر، ولنطرح سؤال الاختفاء هذا ومعناه ومغزاه والمراد منه.
هل وصلت التشكيلات الحزبية فعلا إلى لحظتها الأخيرة ولم يعد لديها ما تقدمه للناس؟ هل انتهت روح المبادرة عند عمليات الكولسة القاتلة التي ضربت في مقتل هاته الأحزاب والتي جعلتها مليئة فقط بمن يقولون «نعم» للزعيم؟ هل آمنت هاته الأحزاب أن الشعب لن يصدقها أبدا، وسيظل على حيطته والحذر يحرك رأسه كلما تحدثت إليه ويقول بلغة المغاربة الهزلية والساخرة لكن العميقة «بشحال الحولي؟».
لا مفر من طرح السؤال وإن أزعج، ومن غير المعقول أن نعتبر أن ما يحدث هو عادي ولا مفر من التعايش معه، وأن الشباب المتحزبين والآخرين الأقل شبابا من أمثالهم قد ذهبوا في استراحة مقبولة وسيعودون في يوم من الأيام.
دعونا ننتقل دونما رابط موضوعي ظاهر إلى قصة أخرى: ماكرون وضربة المقشة الكبرى التي قام بها في فرنسا في حق التقليديين من الأحزاب الذين اغتالوا تشكيلاتهم بتحويلها إلى جهاز مغلق: هل يستطيع حزب اليوم في المغرب أن ينقل لنا بعضا من ضربة المقشة هاته؟ هل يتمكن سياسي من اختراع شيء شبيه بحركة «إلى الأمام» تقنع المغربي والمغربية أن شعارات الإيديولوجيا الفارغة مجرد شعارات إيديولوجيا فارغة فعلا، وأن العمل الحزبي الذي لا ينزل إلى الناس يوميا دونما اهتمام بانتماءات عتيقة تنتسب لزمن مضى وانقضى هو عمل حزبي لا يصلح لشيء، وأن نفس العمل الحزبي إن لم يكن قادرا على الإجابة يوميا على احتياجات الناس ومتطلباتهم وقادرا على تقديم الحل لهم عوض المشاكل هو مجرد «هلوسات» يقضي بها طرف مستفيد حاجته على رؤوس الناس ويمضي؟
عكس ما قد توحي به بداية الأسطر الأولى نحن متفائلون أن هناك شيئا ما سيأتي. مؤمنون أن المغربي والمغربية أقدر بنبوغهما التاريخي المعروف، وبذكائهما الذي يفوق ذكاء من يحيطون بهم والذي صنع استثناءهم على امتداد كل العقود سيجدان طريقة الإدهاش هاته، وسيحولون هاته الرغبة في عدم الحديث مع الأحزاب إلى رد عملي على أرض الواقع يلتئم حول مشروع قادر على الحديث مع الناس حول قضايا الناس بهدف واحد ووحيد: الارتقاء فعلا بأحوال هؤلاء الناس.
لننتظر وسنرى.