بون شاسع بين الديمقراطية والعدمية، من جهة والديمقراطية وبين هذه الأخيرة والخرافية من جهة ثانية. فإذا كانت الديمقراطية تقتضي الجدال بالتي هي أحسن والقبول برأي الأغلبية، فإن العدمية تؤمن بالرفض للرأي المعارض، وإسكات صوته بالقوة إن اقتضى الأمر ذلك، كما أن الخرافة لا تقبل الجدال أو النقاش، ولا تؤمن إلا بما يأمر به الشيخ أو المرشد حتى ولو كان بلغ من السن عتيا.
من هذا المنطلق نقف اليوم على حقيقة موقف المتسترين خلف حركة 20 فبراير، والذين جددوا رفضهم لقرار الشعب المغربي التصويت على من سيحملهم مسؤولية تدبير الشأن الحكومي خلال السنوات القادمة في جو من الهدوء والمسؤولية والشفافية .
فلم يكن الغارقون في العدمية والمتيمون بشيخ القومة يتوقعون مشاركة الناخبين في الانتخابات التشريعية بنسبة تفوق 45 في المائة، بل راهنوا على نسبة مشاركة تقل عما تم تسجيله في الانتخابات التشريعية لسنة 2007، وكما راهنوا على فوز أحد الأحزاب التي يصفونها بالموالاة للمخزن حتى يتسنى لهم الجهر بأن لاشيء تغيير .
لكن نسبة المشاركة رأى فيها المراقبون الدوليون، والمحللون السياسيون، نسبة معقولة بحكم أن الدول الراسخة في الديمقراطية لا تتجاوز نسبة المشاركة فيها 55 في المائة في أحسن الحالات .
إن التصعيد في برنامج تظاهرات النهجيون والعدليون يعكس وبوضوح الخيبة التي أصيبوا بها والتي تجسدت في ثلاثة مراحل متلاحقة، أولها نسبة المشاركة في عملية الاقتراع، والتي فاقت في بعض الجهات الستين في المائة، وثانيها فوز حزب معارض ظل النهجيون والعدليون يراهنون على اصطفاف في خندقهم، خاصة وأن بعض قيادييه كانوا يزايدون على النزول إلى الشارع في حالة عدم فوزهم في الانتخابات، والنقطة الثالثة هي تعيين الملك للأمين العام للحزب الذي تصدر نتائج الفائزين في عملية الاقتراع رئيسا للحكومة وتكليفه بتشكيلها .
هذه المعطيات قلبت حسابات العدميين والخرافيين فعمدوا إلى ابتداع تحليلات عبثية تستهدف تسفيه مشاركة الناخبين، والادعاء أن النسبة المعلنة لا تعكس الحقيقة وأن أغلبية الشعب المغربي قاطعت التصويت، وهذا الموقف يعكس جهلهم بسير العمليات الانتخابية في الدول الديمقراطية والتي تتراوح نسب المشاركة فيها مابين 45 و55 في المائة في أحسن الأحوال ، لكن السؤال الذي يجب طرحه على النهجيين والعدلاويين هو هل يؤمنون بالديمقراطية وقبول رأي الأغلبية وما تفرزه صناديق الاقتراع ؟
لا اعتقد ذلك، لأن فلسفتهم في الحكم لا تستند على الدستور وحرية الاختيار، وقبول بقرار الأغلبية ، فالعدميون ينتظرون عودة الروح لماوتسي تونغ أو تروتسكي لفرض نظام تخلصت منه أكبر الدول التي سعت لنشره بالقوة عبر العالم ، أما الخرافيون فلا نعرف لحد الساعة أي نظام يحلمون به لأن شيخهم البالغ من السن عتيا لا تسعفه عوامل الزمن لتحيين منهاجه حتى يصبح في عالمنا الحاضر أي القرن الواحد والعشرين.وهكذا نستخلص أن الطرفين يعيشان خارج سياق حراك الشعب المغربي بكل مكوناته .