كنتُ وما زلتُ من أشرس الرافضين لتولّي [البيجيدي] تدبيرَ أمورنا، وتسييرَ شؤوننا، لمعرفة مسْبقة بمكْر، وكذِب، ونفاق من يستعملون الدّينَ ليشتروا به ثمنًا قليلا، كالمناصب، والمكاسب، والامتيازات؛ فما أفلحتْ أمّةٌ ولّت أمرَها مَن يدّعون الدين، ويتظاهرون بالورع، والتقوى؛ فمنهم كما قال السيد [المسيح] عليه السلام: [يُصفّون الماءَ من القَشّة، ويبتلعون الجمل.].. وقال في حقهم شاعر: مَا هُم رجالُ الله فيكم * بلْ هُمُ القومُ الأباليس.. والآن أثارت واحدةٌ منهم، زوبعةً، عندما قالت إنّ من يكسب (20) درهما، فهو غير فقير؛ وهذا يذكّر بزلة لسان شيوعية، عندما وصفتْ تقاعدَ البرلمانيين بـ(جوج فرنك)، كان من الواجب فصلُها من المنصب فورًا؛ فالإخوان والشيوعيون، يجمعهما هدفٌ واحد، هو كراهيةُ الأوطان؛ فالشيوعيون كانوا ينادون العمّال بإثارة الفتن، واعتماد الإرهاب، بدعوى الثورة، وتحقيق العدالة الاجتماعية؛ وقد رأيتَ ما آلتْ إليه الأوضاع في [روسيا] بعد فتنة [1917]، حيث كان [لنين] يُمنّيهم بالحرية، والأرض، والخبز، فصدّقوه؛ ولـمّا ظفر، بكل ما وعد به كفر، واعتبر الإرهابَ وسيلةً لضمان الاستقرار، فكان يصادر محاصيلَ الفلاحين، وهم جائعون، ودلّلتِ القَمْلةُ على فساد ثورة [لنين].. والإخوان في شخص (سيّدهم قُطْب) كان يعتبر الوطنَ مجرّد حفنة من تراب نتن؛ وما الدّين إلا وسيلة لجمْع هذه القُطعان، أي الشعوب، تمامًا كما فعل الشيوعيون بالعقيدة الشيوعية؛ فأين هو الاختلاف بين الإخوان والشيوعيين؟
الشيوعيون لـمّا تولّوا الحكمَ في (إثيوبيا)، جوّعوا الشعبَ؛ والإخوان لما تولّوا الحكمَ في [المغرب]، ها أنت ترى كيف ينشطون، ويكدّون في تجويع شعبنا.. لقد كانت [أوكرانيا] تتوفّر على أراضٍ خصبة، ومع ذلك جوّع [ستالين] شعبَها، حتى مات ما يناهز (30) مليون أوكراني، وهو عددٌ يفوق عددَ الرّوس الذين ماتوا في الحرب الثانية.. فالإخوان جدّوا كثيرا، وعملوا على أن تصيب [المغربَ] فتنةٌ مدمّرةٌ، وساعدتْهم قناة (الجزيرة)، وكنتَ ترى على شاشتها [بنكيران، والخلفي، والداودي] وغيرهم، يُومِئُون للملكية بانتقاداتهم؛ ولكنْ لـمّا فشلوا، ودخلوا الحكومةَ، تغيَّر مَنهجُهم، وصاروا يعملون على تخزين الغضب، وترسيب اليأس في نفوس المواطنين، بالمس بأرزاقهم؛ لأن المؤرّخين يقولون إنّ الخبزَ، يوجد خلف كل الفتن؛ وعملوا مثْل الشيوعيين، إذ خلقوا (نوموكلاتورا) باذخة، ومبذّرة، ومنتفعة، على حساب الشعب، ومصادر رزقه، وسمّوا ذلك (إصلاحات) أَقذًا بالعين أم بالعين عُوار؟ فمثلا [لنين]، وعد بالخبز، والأرض، فنال الشعبُ الجوعَ، والقهرَ، وقمع شرطة كانت تسمّى [تشيكَا].. و[بنكيران] وعد بالدعوة إلى الله، وبالعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفاسدين؛ فكان نصيبُ الشعب البطالة، والغلاء، والجوع، وقد أطلّ منه ظفرٌ وناب؛ والفائز الأكبر، هو الفاسدون، إذ سالمهم [بنكيران] بقولته الشهيرة: [عفا الله عمّا سلف]، وصار يبذّر أموال الأمّة، بدعوى محاربة الرشوة، والفساد، ثم وزّع خيرات البلاد، على الباذخين، وارتفعتْ بأربعة أضعاف ديونُ الدولة..
والله سبحانه وتعالى، عندما رآنا زكّيناهم، وصوّتنا عليهم، وشهدنا لهم بما ليس فيهم، أَكالَنا إليهم، فارتفع عنّا كرمُه، ورحْمتُه، حتى نستغفره، ونلقي بهؤلاء في مزبلة النسيان إلى الأبد، ونجرّدهم من كل مسؤولية في هذا الوطن؛ وهذا الأمر واردٌ جدّا.. ومن براهين الله تعالى، هو ما عرفه المغربُ أيام عهد [بنكيران] من مآسٍ عظمى، وأحداث كارثية، وأنهى ولايتَه بأحداث [الحسيمة].. وهذا [العثماني]، بدأ ولايتَه بفواجع [جرادة]، وأتتْه منذ أيام (فرانسواز لاغارد) مديرة (صندوق النقد الدولي) لتعطيه تعليمات، وخُطَط لقهر الشعب، وضرب قدرتِه الشرائية، ونسْف مصادر عيشه؛ فما عجز عن فِعله (الربيعُ العربي) سوف ينجح فيه (الربيع الخُبْزي).. أمّا (الحقّاوي) فهي مجرّد تابعة، ولا تستحقّ بتاتًا وزيرة، وإنما هي عبّرت عن سياسة (شيعَتها) بطريقة أخرى؛ وإذا كانت صادقةً، فلماذا لا تردّ للخزينة تلك الملايين، وتحتفظ فقط بعشرين درهمًا لعيْشها اليومي؛ بذلك كانت ستعلّمنا كيف نعيش بـ(20) درهما، كما فعل (غاندي) يوم أوصى الهنود بعدم شراء ملابس الاستعمار، وبعدم استهلاك مِلْحه؛ فكان يخرج إلى الشارع ويعلّم المواطنين فنّ الحياكة؛ ويذهب إلى نهر (الغانج) ليعلّمَهم استخراج الـمِلح.. كان على (الحقّاوي) أن تفعل مثله؛ فكنّا سنصدّقها إذا بدأتْ بنفسها؛ ولكن هيهات! فـ(الحقاوي) تتقاضى من الخزينة أكثر ممّا تحتاج، وما زاد عن الحاجة فهو سرقة في الإسلام الذي تدّعيه، وبه كذبتْ، وأغْوت البسطاء.. وخلاصة القول، إن (البيجدي) هو دار الزّلات، والعيوب؛ والعيب إذا صدر من دار العيب، فلا يعتبر عيبًا؛ فأعرضُوا عنهم، ذلك خيرٌ لكم…