ينبغي أن نعترف بأن أحلام الشباب لا حدود لها، وتبقى معقولة ومقبولة في حدود تأطيرها بانتمائها لفئة عمرية تتميز بالتحرر الاجتماعي، لكن تصبح مثل الكوابيس عندما تخترقها أشباح الشيوخ. أحلام الشباب قد تكون في طريق الغلط لأنه ليس لديهم ما يخسرونه من جهة كما أن خبرتهم في الحياة ضعيفة، وبالتالي سقف أحلامهم دائما مرتفع.
عندما خرج الشباب في حركة 20 فبراير قبل سبع سنوات كانوا يرفعون صوتهم من أجل مطالب محددة، بعضها معقول وبعضها من تأثير موجة الربيع العربي، لكن ما إن خرجوا حتى اختفى صوتهم وارتفع صوت الشيوخ. وغابت المطالب العفوية وعوضتها مطالب مخدومة وموجهة من قبل جهات سياسية، وتم توظيف المال من أجل صناعة الشعارات وترويجها، وتحولت معها الحركة إلى مجرد لعبة في أيدي من يتقن تحريك الشارع.
كرس عالم الاجتماع البريطاني كتاباته لمفهوم السيطرة على الشارع من قبل القوى المنظمة. من بين ما قاله في كتابه علم الاجتماع السياسي "تستطيع الأقلية المنظمة أن تسيطر على الأغلبية غير المنظمة وإذا أراد الأغلبية غير المنظمة أن تنتظم فإنها تخلق أقلية منظمة".
20 فبراير كانت حركة الشارع. بمعنى حركة غير منظمة. لهذا هيمنت عليها الحركات المنظمة مثل جماعة العدل والإحسان والتوحيد والإصلاح والنهج الديمقراطي والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وبعض الجمعيات غير القانونية التابعة للمجموعات المعروفة، بل حتى العدالة والتنمية، الذي أعلن زعيمه آنذاك أنه ضد خروج الشباب بل وصفهم بالطبالة والغياطة، لكن جمعية غير معروفة كانت تابعة للحزب تقوم بطبع الشعارات وتوزيعها في الشارع العام.
من هذا المنطلق سيطر شيوخ النضال على حركة الشباب، وعندما نتحدث عن شيوخ النضال إنما نتكلم عن محترفين، وعن أحزاب وتنظيمات لها فكر شائخ حتى لو كان في قياداتها شباب، وبالتالي تمكنت المجموعات المنظمة من الهيمنة على حراك الشباب واستغلاله بطريقة فجة في تحقيق مكتسبات سياسية، بل أسوأ استغلال لهم هو ما قام به حزب العدالة والتنمية، الذي وزع الأدوار بين مجموعة تقول لا، بزعامة بنكيران، ومجموعة تخرج للشارع بزعامة العثماني والرميد وحامي الدين، يعني بالنتيجة البيجيدي حاضر مع الرافضين ومع المشاركين.
وكانت الاستجابة الملكية لمطالب الشارع سريعة، لأن المغرب له خصوصية تفرض أن الثورة دائما هي ثورة الملك والشعب، وتم تحقيق كثير من المطالب، وتم وضع دستور جذري صاغته لجنة استمعت لكل ممثلي المجتمع من أحزاب سياسية ونقابات وفعاليات مدنية ومثقفين. يبقى الدستور هو الوثيقة الأسمى لتأطير السياسة في المغرب، لكن تنزيله هو رهين بالحكومة وتوجهاتها. فكانت حكومة العدالة والتنمية بأغلبيتها البرلمانية هي أول حكومة تقوم بوضع القوانين التنظيمية.
وسط هذا الحراك استفادت المجموعات المنظمة من التحولات الجذرية بينما تبخر قادة الشباب وذاب بعضهم وسط التنظيمات بحثا عن مصلحة صغيرة بعد أن كان يرفع شعارات كبيرة استفاد منها أصحاب الشعارات الصغيرة والمضطربة.