عندما حل سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، وفق وفد من الوزراء إلى جرادة خرج بعض المحتجين، رافعين شعارات جذرية تطالب باستقالة رئيس الحكومة. هذا الأخير، الذي طبعا نحن نختلف مع طريقته في تدبير الشأن العام، حمل معه حزمة إجراءات نعتبرها كافية وكفيلة بحل مشاكل جرادة، وعلى رأسها إعادة النظر في رخص استغلال المناجم، وإحداث حي صناعي ودعم الفلاحة ومنح عمال المناجم المتوقفة شركتهم مساكنَ.
في مقابل هذا الحدث دعت خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أثناء حضورها ندوة للائتلاف المغربي للجمعيات الحقوقية، إلى موجة جديدة من الاحتجاجات بمناسبة 20 فبراير.
نهاية القرن التاسع عشر ظهرت نظرية سيكولوجية الجماهير التي سكها عالم الاجتماع الفرنسي غوستاف لوبون، وترى هذه النظرية أن سلوك الحشد ليس منتجا من الحشد نفسه، ولكنه ينقل إلى الحشد من قبل أفراد معينين، وهكذا، فالحشود في مجموعها متقاربة في تفكير ومزاج أفرادها.
وسلوك الحشد من الناحية النفسية، حسب لوبون الذي سبق فرويد في دراسة نفسية الجماهير، أشبه ما يكون بالهستيريا الجماعية حيث يبدأ الحشد بفرد أو مجموعة من الأفراد يظهرون حماسا معينا بشكل مؤثر فينتقل هذا الحماس بما يشبه العدوى إلى الأفراد المحيطين بهم ثم تتسع دائرة العدوى بسرعة تتوقف على قدرة المحركين للحماس وعلى الحالة الانفعالية لبقية الجموع وكل هذا يحدث بشكل غير واعٍ.
ومن بين خصائص الحشد استعدادهم السريع للتصديق المطلق لكل ما يسمعونه بسرعة كبيرة ولأبعد الحدود، حيث يتم قبول وتصديق معظم البيانات والإشاعات الواردة إلى الحشد لدرجة السذاجة والحساسية المبالغ فيها، وقصر النظر والتبصر منقطع النظير وعدم قدرتهم على الاستجابة للمؤثرات العقلية.
ها نحن أمام جماهير سواء بجرادة أو التي خرجت في 20 فبراير. يغلب عليها تفكير الشارع وهو فكر سطحي.
لا نتجنى على أحد عندما نقول إن فكر الشارع يتميز بالسطحية. فالذين يطالبون برحيل سعد الدين العثماني أكثر سطحية من غيرهم. ماذا يريدون؟ مع من يريدون الحوار؟ مع مؤسسة أخرى أكبر من الحكومة؟ الحكومة وحدها تملك مفاتيح الميزانية وبالتالي هي وحدها التي يمكن أن تصدر قرارات وتتخذ إجراءات وتوقع اتفاقيات.
لنذهب مع السطحيين بعيدا. هب أن العثماني استجاب لمطلب الرحيل وقدم استقالته. بمعنى استقالة الحكومة بكامل وزرائها. وهذا يقتضي توقيف كل شيء غير تصريف الأعمال. أي توقيف الحوار بخصوص جرادة حتى يتم انتخاب حكومة جديدة. هل يعرف السطحيون كم تحتاج الانتخابات من أموال لتمويل الحملة الانتخابية وطبع الأوراق وأداء أجور المراقبين والمكاتب وغيرها وتعويضات زائدة؟ هب أننا لم نهتم بموضوع المصاريف وأجرينا الانتخابات ونجح حزب العدالة وعاد العثماني لرئاسة الحكومة. سيقول له اِرحل من جديد. وحتى لو جاء رئيس حكومة من حزب آخر سيقولون له اِرحل. إذن موجة من التسطيح.
هذا التسطيح هو الذي حكم حركة 20 فبراير. والموجة التي تدعو لها الرياضي أكثر سطحية لكنها داخلة في اللعبة. وتستهدف شباب اليوم الذين كانوا يافعين سنة 2011. الذي هو اليوم في عمر 20 سنة كان عمره 13 سنة. والذي كان عمره 20 سنة ذهب اليوم يبحث عن ذاته. إذن هي تبحث عن شباب بدون ذاكرة قادر على أن تنقل إليه عدوى الفوضى فيتلقفها بسرعة وبغريزة الحشد.
Annahar almaghribiya