سأُصْبِحُكُم أيها السادة القراء هذا الصباح، بحديث طغى على عامة الناس في الشوارع، والمقاهي، والنوادي، وهو السماح للمرأة بممارسة مهنة [لَعْدُول] كما يسمّيها المغاربة؛ والذين يثيرون هذا الموضوع، هم السلفيون، أو أهل [الرّجعة] في اللغة الحديثة؛ فقد رأوا أن ذلك غير جائز في الإسلام، استنادًا إلى أحاديثَ مشكوكٍ في صحتها؛ فقد كان أهل العصبية العربية القديمة، وكان على رأسها [نافع بن جُبَير التابعي] الشهير، كانوا يقولون: [لا يقطع الصلاةَ إلا ثلاثة: (حمارٌ، أو كلبٌ، أو مَوْلى)؛ اُنظر [العقْد الفريد] لـ(ابن عبد ربّه]؛ فإذا بهذه العبارة التي تنطوي على عبودية، وعنصرية، قد انتقلت إلى [الصِّحاح]، واستُبْدِلت لفظةُ [مولى]، وحل مكانها [المرأة]، وما قالها رسولُ الله صلّى الله عليه وسلم، بدليل رَدّ سيدتنا [عائشة] رضي الله عنها، إذ قالت: [سبحان الله، شبّهتمونا بالحُمُر والكلاب!].. اُنظر [صحيح البخاري]، رقم الحديث [514] الجزء الأول..
وفي الجزء الثاني من [صحيح البخاري]؛ (باب غزو المرأة في البحر) رقم الحديث: [2877] أن النبي الكريم، تنبّأ للسيدة [أمّ حرأم] وهي (ابنة مَلْحَان] زوجة [عُبادة بن الصامت]، تنبّأ لها عليه الصلاة والسلام، أنها ستغزو في البحر مع المسلمين، وقد ركبتِ البحرَ فعلاً وصدق عليه السلام واستُشهِدت ودُفِنت في جزيرة [مالطا] في البحر الأبيض المتوسط، وما زال ضريحُها قائمًا هناك إلى يومنا هذا؛ فلماذا تنبّأ لها النبي بذلك، وقال لها ضاحكًا لغرابة المشهد [أنت من الأوّلين، ولست من الآخرين]؛ فلماذا لم يحذِّرْها لو كانت القِوامةُ فقط للرجال، وركوب البحر للحرب هو أخطر من توثيق عقدٍ؟ وهذه [زوجة أبان] كانت تحسِن الرَّميَ بالنّبل، وكان لها قوسٌ وكِنانة أبلت البلاء الحسن، بحيث رمت العديدَ من رجال [توما]، كما أصابته هو نفسه في عينه اليمنى بنبلة بعدما أصابت حامل الصليب فسقط في وقت كان المسلمون يعانون صعوبةً فتقهقر [توما] وجيشُه، ثم حمل المسلمون على الروم وهزموهم، وفُتِحت [دمشق]، ففرح [شُرَحْبيل] بشجاعة [زوجة أبان]، وأخبر بصنيعها الخليفة [عُمَر] الذي استقبلها شخصيا فلماذا لم يرفض [شرحْبيل] مشاركة امرأة في القتال؟ لماذا لم يقُلْ لها: [جهاد المرأة، تمتِّع الآخرين]، وهو ما يبررون به [زنا المرأة] في أيام [الإرهاب] الذي فرضه الصهاينة على الأمة اليوم؟
وهذه [أسماء] بنت أبي بكر الصديق، ووالدة [عبد الله بن الزبير]؛ فلمّا قطع [الحجّاجُ] رأسَه، دخلت [أسماء] الصحابية، والفقيهة، والمحدّثة التي لا يكذّبها أحد إذا روتْ حديثا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ دخلتْ على [الحجاج] في مقرّه، فصرف حاشيتَه لعلمِه بشجاعتها، وعلمِها، وفصاحتها؛ فقال لها: [لقد أوصاني بكِ خيرًا أميرُ المؤمنين] (يعني يزيد الفاسق)؛ فقالت له: [لقد جئتُ فقط لأُسْمِعَكَ حديثًا سمعتُه رسولَ الله صلّى الله عليه وسلم]؛ قال [الحجّاج]: [ما هو يا أمّاه؟]؛ قالت: [سمعتُ رسولَ الله يقول: يخرج من (ثقيف) كذابٌ ومُبير؛ فأما الكذّاب فقد رأيناه؛ وأما الـمُبير فما أراه إلا أنتَ]، ونفضتْ ثيابَها في وجهه، وخرجت؛ فتقدّم منها [عبد الله بن عُمر] معزّيا، وداعيا إياها إلى الصبر، وكانت [أسماء] قد تجاوزت (90) سنة من عمرها، فقالت: [وماذا يمنعني من الصبر، وقد أُهدِيَ رأسُ (يحيى بن زكريا) إلى بَغْيٍ من بغايا بني إسرائيل!] يقول المؤرّخون: [يا لعظمتك، يا ابنة الصديق!]..
كان النبي عليه السلام يستشير [خديجة] الكبرى، عندما بدأ يأتيه الوحيُ فيصاب بالذّعر؛ فكانت تهدِّئُه، وتطمئِنُه، فكان عليه السلام يرتاح لمشورتها، وهي امرأة.. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [خذُوا نصف دينكم من هذه الحُمَيْراء] يعني [عائشة] رضي الله عنها؛ وهو ما يبيّن ويثبت أكذوبة حديث: [النساء ناقصات عقل ودين]؛ فكيف يأمرنا عليه الصلاة والسلام، أن نأخذ نصف ديننا من امرأة ناقصة عقل ودين؟ هل هذا معقول؟ هل يجوز أن يتناقض في أقواله نبيٌ معصوم، وحاشا ذلك؟ ثم لماذا أيّدتم من نادى بجهاد النكاح؟ منكم من أيّد؛ ومنكم من صمت، والآن تعارضون السماح للمرأة بأن تكون [عدول]؛ ثُرتُم، وقلتم بعدم جواز ذلك، ولم تقولوا بعدم جواز (جهاد النكاح)، وهو فسقٌ، وزندقة، وتطريق للزّنى كما يرى [ابن حزم] في كتابه: [الـمُحلّى]؟ إذن كفاكم ضحكًا على العوام.. كفاكم عبثًا بعقول السذج، والمدمنين على مخدرات أحاديثكم المكذوبة أو الموضوعة.. فمهنة [لَعْدول] مثلها مثل مهنة سياقة الطائرة؛ فأنتم تركبونها رغم أن الرّبانة امرأة، وهي مهنة أخطر من مهنة التوثيق؛ وعندما تصاب مسالككم البوْلية بسبب شبقِكُم، أو بسبب [جلْد عُميْرة]، فإنكم تلجؤون إلى المعالج، ولو كان طبيبةً؛ وعندما تجتمعون في وليمة دسمة، فإنكم تأكلون الطعام بنهم وشهية، أعدّته امرأةٌ، فتثقون بها، ولا تقولون بالغش أو الخطإ في الطبخ؛ فلماذا تعارضون اليوم مهنة المرأة [لعْدول]، وهي مهنة من مهن يعتبرها الإمام [مالك] من (المصالح المرسَلة) الجائزة في الإسلام؛ وموعدنا معكم غدًا..