خلفت تصريحات عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق للعدالة والتنمية ودون صفة الآن، بخصوص قادة بعض الأحزاب في التحالف الحكومي، ردود فعل كبيرة وسط المعنيين، وصلت حد مقاطعة المجلس الحكومي أول أمس الخميس من قبل التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي، أو الحضور الشكلي، احتجاجا على هذه التصريحات، التي وصف فيها شركاء البيجيدي في الحكومة بنعوت خطيرة.
ما معنى عدم حضور وزراء من التجمع والاتحاد مجلس الحكومة؟ الحكومة مؤسسة دستورية منفصلة بتاتا عن الأحزاب السياسية ولا يمكن أن تخضع لها، حتى وهي التي تشكل الأغلبية. لا يمكن إخضاع مؤسسة دستورية لنزوات الأحزاب السياسية. مقاطعة الحكومة قد تكون لها تداعيات كثيرة على حياة المواطنين. في المجلس الحكومي تتخذ كثير من القرارات التي تهم معاش المغاربة والحكومة لا تعني الأحزاب لوحدها بل هي قانونا ومنطقا وعقلا موظفة لدى المغاربة.
سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة ورئيس الأغلبية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، التزم الصمت تجاه تصريحات بنكيران المضرة بالتحالف الحكومي. فالعثماني لا يريد الإضرار بحزبه ناهيك عن أنه يستمرئ لعبة "شي يكوي وشي يبخ"، وهذا ما أكدناه في افتتاحية عدد الأمس وفق معطيات دقيقة، تفيد أن قيادة الحزب تدخر بنكيران لممارسة الشعبوية وما حدث أخيرا مجرد بروفة في مسرحية طويلة ومن أجزاء متعددة وخاتمتها الانتخابات المقبلة.
سكت العثماني لأن من مصلحته السكوت ومن مصلحة حزبه حتى لو أضر بالحكومة وأزعج الحلفاء. المنطق يفرض في العثماني أن يدافع عن التحالف الحكومي الذي يترأسه، وكان عليه أن يصدر موقفا آنيا، لا أن يترك رسائل بنكيران تسير وتتسكع في شوارع الإعلام والفيسبوك والمقاهي ثم يعلن تمسكه بالأغلبية. عن أي أغلبية يتحدث؟ الأغلبية التي أهانها الزعيم الذي لا صفة له اليوم.
العيب ليس في العثماني، لأنه يقوم بدوره، فصمته لمدة من الزمن يدخل في إطار تبادل الأدوار مع الزعيم المخفي في انتظار الظهور، وحتى لما تحدث قال إنه يتمسك بالأغلبية ولم يشر إلى الرشق بالحجارة الذي مارسه بنكيران في حق زعماء الأغلبية. ولكن العيب في عزيز أخنوش وإدريس لشكر.
كان مفروضا في الحزبين المكونين للأغلبية التعبير بوضوح عن موقفهما من خلال بيانات تحدد المسؤوليات وترتب التبعات، لكن لا معنى لمقاطعة مجلس الحكومة. فالحكومة غير معنية بتصريحات بنكيران. ولا علاقة للحكومة بما يقوله الناس في الشارع. لكن على الأحزاب أن تصفي خلافاتها بعيدا عن الحكومة، حتى لو كانت الوسيلة الوحيدة لتصفية الحساب هي الانسحاب من التحالف الحكومي وإسقاط الحكومة وإعادة الانتخابات أو تنظيم انتخابات سابقة لأوانها.
لكن مقاطعة مجلس الحكومة أو الحضور الشكلي هو سلوك من لا يستطيع اتخاذ قرار جريء بينما الشجاعة السياسية والأخلاقية تتطلب التعبير عن الموقف بشكل واضح لكن دون المساس بالمؤسسات الدستورية.