وراء عنوان الصراع بين تيارات حزب العدالة والتنمية، التي ظهرت في المؤتمر الثامن، تختفي قصة أخرى شبيهة بالمسرحيات التي لا تكشف عن مضمونها بسهولة خصوصا وأن مخرجها بارع في اللعب على الحبلين، وتطبيق قاعدة "شي يكوي وشي يبخ"، وظهر بطل المسرحية هو تيار الولاية الثالثة، وهي مسرحية تم حبكها بدقة متناهية داخل مطبخ التوحيد والإصلاح، هذه الحبكة مارست تلبيسا على جل المحللين السياسيين.
واستطاع مخرج المسرحية اختيار شخوصها بعناية فائقة، فهم تيار الولاية الثالثة الموالي لبنكيران، والجميع يعرف استحالة الوصول إلى مخرج في المؤتمر لعودته إلى أمانة الحزب، وتيار الوزراء أو ما يسمى المشروعية القانونية، وتيار المعتزلة ناهيك عن اصطفافات الشبيبة والنقابة والتنظيمات الموازية.
تم خلال العرض المسرحي التصفيق بشكل كبير للممثلين، وتم وضع زعيم رمزي هو سعد الدين العثماني، بينما خيوط اللعبة تجري في مكان آخر، حتى ظهرت المسرحية واقعية وحقيقية، كي لا يشعر أحد بأن ما يجري هو مجرد تمثيل. المسرحية تقتضي اختباء الزعيم عبد الإله بنكيران، بعد أن أصبح مرفوضا في رئاسة الحكومة، لكن المخرج ادخره لفصل آخر من هذه المسرحية كي يخرج بشكل مكثف ليمارس الشعبوية، الوسيلة الوحيدة المتبقية لدى حزب الإسلاميين لجلب الأصوات الانتخابية.
في المسرحية التي جرت أخيرا تم وضع بروفة لبنكيران لاختبار مدى قدرته على التمثيل مستقبلا، فتم استدعاؤه لمؤتمر شبيبة الحزب، في الدياة زعموا أنهم يريدون تكريمه، لكن قيل إن تكريمه يعني موته السياسي، تم جيء به ليخاطب القوم دون صفة.
بنكيران منذ عزله من الحكومة وانتخاب العثماني أمينا عاما للحزب ورفضه عضوية الأمانة العامة أصبح بدون صفة. فلماذا إذن تم استدعاؤه ومنحه ساعة كاملة للحديث شرقا وغربا ودون فرامل؟ لا يعني هذا شيئا غير أن الحزب يقوم بتهييئه للعودة في أية لحظة للعب دور في الفصول القادمة من المسرحية يوم يحتاج المخرج لممثل يتقن فن الشعبوية، التي لا يستطيع العثماني ممارستها، بل يتقن فن إطفاء الحرائق دون ذوبان للجمر.
خطاب بنكيران، الذي هو اليوم بدون صفة لكن يبقى الزعيم المخفي في انتظار لحظة الظهور، قال فيه ما لم يقل مالك في الخمر، واتهم القضاة بالخضوع لجهات سياسية مجهولة، وقال إنه لن يسلم عبد العالي حامي الدين، نائب رئيس المجلس الوطني، للجهات المذكورة بمعنى قاضي التحقيق، وشن هجوما عنيفا على حلفاء الحزب في الحكومة.
وبعد أن تم تمرير الرسائل التي أرادها كما شاء، وبعد صمت طويل في العرف السياسي، خرج سعد الدين العثماني، بعد أن شرب من ماء بحيرة سيدي محمد بنعبد الله، وتجشأ كلاما يقول فيه إنه متسمك بالأغلبية لكن لم يقل شيئا عما قاله بنكيران حول حامي الدين وهل هو أيضا لن يسلمه للجهات المذكورة؟
وفق حدسنا وتحليلينا والمعطيات المتوفرة لدينا فإن بنكيران هو الزعيم المخفي في انتظار لحظة الظهور.