ما إن وقّعتُ الحلقة الرابعة من حلقات صغتُها حول الكذب والحكومة الكذّابة، وكانت تلكم الحلقة الرابعة آنفة الذكر بعنوان: [هل حكومة الكذِب قادرة على محاربة الكذب؟] حتى سقط بين يدي دليلٌ صارخ على صحة وصدْق ما أقوله بخصوص حكومة كذّابة، ابتُلينا بها، وتنتج أكاذيب متنوعة، منها أكاذيب بخلفية إسلامية، وأكاذيب شيوعية، وأكاذيب من إنتاج الليبرالية، وقسْ على ذلك.. وحكومة تنتج هذه الماركات من الأكاذيب، لابد لها من وزارة تنسّق بين الأكاذيب، حتى لا تبدو مفضوحة أمام المواطن اليقظ، أو على الأقلّ خْلقُ منصب [كاتب الدولة المكلّف بالتنسيق بين أكاذيب الحكومة]، كما على الحكومة خلقُ مدرسة عليا للكذب، ما دام هذا الكذبُ هو لمصلحة الوطن، وخدمة للمواطن، وإلا فما الفائدة من الكذب؟
لكنّ الكذّابة يجهلون مثلا مغربيا حكيما يقول: [من لسانك، أربطُك]. كيف ذلك؟ فهؤلاء الكذّابة، يعتقدون أنهم يخاطبون قطيعًا وليس شعبًا من خلق الله، لهم عقل، وفكر، وبيان، وأن هذا الشعب بالرغم من كون نسبة الأمّية فيه مرتفعة، إلا أنّ فيه مثقفين، ومفكّرين، وعارفين بخبايا الأمور، وثمّة خطأ الجهلاء الكذّابين.. فيوم (الجمعة 19 يناير 2018) وخلال ندوة صحفية، نظّم اثنان من الشعراء قصيدة قالا فيها إن الحكومة لم تلجأ إلى تعويم الدرهم كجزء من إصلاحات أوصى بها صندوق النقد الدولي، ونفى الشاعران عبر إطناب، وسجْع، وبديع أن يكون هذا البنك من وراء هذا الإجراء، ونفيا أيَّ تدخُّل للمؤسسات المالية الدولية في سيادة العملة؛ فطبّلت وسائلُ إعلامهم الرسمية لذلك، ولحّنتْه، وغنّتْه وشنّفت به مسامعَ [les naïfs] الذين يرتاحون، بل يقتاتون، لا بل يدمنون على مخدّرات الكذب، وقد تمكّنتْ منهم لسذاجتهم.. لكنّ نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي، السيد [ميتسوهيرو فوروساوا] فضح كذِب الحكومة يوم (الإثنين 22 يناير 2018)، وفنّد مزاعمَها كوْن القرار حكوميًا، ولا دخْل للبنك الدولي فيه؛ بل إن البنك أثنى على تلميذيْه الطّيعَين [بنكيران والعثماني] على حفْظ وتطبيق دروس البنك في الاقتصاد المغربي.. فمَن الكذّاب إذن: الحكومة أم البنك؟ فهل صدر بيانٌ يكذّب البنكَ؟ هل اتُّخذ إجراء جزري ضد البنك؟ هذا إذا كانت لنا كرامة، وسيادة، ومصداقية أصلا؛ ولكنْ هيهات! إنه صندوق النقد الدولي المتحكِّم فينا، وناسفُ قوت مواطنينا، وغاضُّ الطرف عن الفاسدين من عملائه في بلادنا.
يقول مثلٌ قديم: [عندما يختلف الكذّابون، تظهر الحقيقة]؛ فصندوق النقد الدولي كذّاب مثْله مثل المشعوذ؛ فهو يخيف الدولَ بالسكتة القلبية، وبالأزمات، والاضطرابات، وتراجُع نسبة النمو، وكأنه الله عزّ وجل، عالمُ الغيب، وحاشا ذلك؛ فيصدّقه عبدَتُه، والمؤمنون به من أصحاب [الدعوة إلى الله]؛ واليوم كلنا نعرف من هو إلاهُهم الذي يدْعون له بالزيادة في الأسعار، وفي الحفاظ على امتيازات الباذخين، ومحوّلي الثوابت إلى بضاعة مثْل التعليم، وأصحاب التوظيف بالعقدة، والخاصمين من تعويضات المتقاعدين؛ وكلها تعليمات هذا البنك يتبعونه شبْرا فشبرا؛ ثم ذراعا فذراعا، حتى إذا دخل جُحْر ضبٍّ دخلوه، وصدق النبي الكريم؛ فهم على وشك دخول هذا الجُحر قريبا.. فهذه القروض تكون دَيْنًا، واستعبادا لكل أفراد الشعب؛ لأن تسديدها لن يكون إلا بفرض مزيد من الضرائب، ومزيد من غلاء الأسعار، ومزيد من أنواع أخرى من الجبايات، يدفعها المواطنون جميعًا من أقواتهم، وأقوات عيالهم: اُنظر كتاب [أحجار على رقعة الشطرنج]؛ صفحة: [264] لكاتبه [ويليام كار]..
يقول [واربورغ] وهو منشئ هذا البنك، إنه وأصحابه سيتمكّنون من إنشاء (بيروقراطية) تتمكن من التدخل في جميع قضايا الدول النامية؛ وهذا واضح، فانْظروا لكل التنازلات المشينة التي تقدّمها مثلا دولة [؟] مقابل قروض البنك الدولي.. لهذه الأسباب، يحذّر منه المغني الإرلندي [بوب غيلدوف] مطعِمُ [إثيوبيا] الجائعة، حيث في [13 يوليو 1985] ربط القمرُ التلفزيوني بين استوديو [وينْبلي] في (لندن)، واستوديو [جون كنيدي] في (فيلاديلفيا) لنقْل أداء أشهر المغنّين، وأسمى ذلك: [المساعدة المباشرة]، فجنى العرضُ الفني الضخم الملايين من الدولارات في ليلة واحدة، غنّى فيها المغنّون مجّانا، ممّا أكد قوّة الموسيقى التي أطمعت جائعي [إثيوبيا]، وهو ما لم تستطِعْه السياسةُ أو رجال الدّين أو البنك الدولي، وقد سهر كاتبُ هذه السطور مع هذا العرض الفني غير المسبوق، ورفض [بوب غيلدوف] تدخُّلَ أية مؤسسة في عمله الإنساني الفريد هذا.. وغنّت المغنّية [شيدي] أغنيةً رائعة بالمناسبة بعنوان: [This is the crime] أي [هذه جريمة] أن يموت الناس جوعًا بسبب نَهَم الأكَلَة، والمتوحّشين، وعبدة المال في هذا العالم..
يقول المغني الفيلسوف [بوب غيلدوف]، إن هذا البنك، هو السبب في شقاء الدول الفقيرة؛ فهو يضرب الفلاحةَ المعيشيةَ للشعوب، ويضع مكانها فلاحةً تصديرية يستفيد منها البنك، والفاسدون الذين يعملون معه؛ فتضطر الشعوب إلى استيراد ما كانت تنتجه من غذاء لمواطنيها بالعملة الصعبة التي يقرضها إياها هذا البنك المدمِّر لمعيشة الشعوب، وهو ما يفعله في المغرب، البلد الفلاحي بالدرجة الأولى، الذي يسمّونه كذِبًا [المغرب الأخضر]، ويعرضون صورا كاذبة، ومخدومة لمغرب أصفر جعلوه كذبًا مغربًا أخضر، وفي السوق تظهر حقيقةُ الاخضرار المكذوب عبر الشاشة الغشّاشة، واحرّ قلباه!
صاحب المقال : فارس محمد