من كلام الإنسان يمكن أن نعرف نفسيته ودواخله ونستطيع تفسير سلوكه. اللغة ليست زائدة ولكنها هي الخيمة التي تأوي الأفكار والسلوكات. واقعتان نرى أنهما قادرتين على تفسير ما يخبئه بنكيران تجاه المؤسسات وتجاه الدولة. واقعتان تدلان على أن الداعية الذي سمى جماعته الأولى "الجماعة الإسلامية" لا يؤمن بالدولة بل يعتبرها شيئا آخر ويعتبر نفسه هو كيانا إضافيا منفصلا عن الدولة، ربما هذه النزعة جاءت من تأثيرات "العزلة الشعورية" لسيد قطب.
الواقعة الأولى كانت بوجدة أيام كان رئيسا للحكومة، حيث حاصره طلبة أحد المعاهد وكادوا ينقضوا عليه، وما ينبغي لهم ذلك، فلما خشي على روحه من غضبتهم وبطشهم قال بالعربية المغربية "عيطوا للدولة"، وكان يقصد عناصر الأمن. بنكيران كان رئيسا للحكومة بمعنى كان جزءا من الدولة ومفروض فيه أن يكون رجل دولة، لكن نسي حتى الرجولة بالمفهوم الشعبي.
ما معنى "عيطوا للدولة"؟ ألم يكن هو رئيسا للحكومة، وهذه الأخيرة من مؤسسات الدولة وتحت إمرته وزير الداخلية، الذي هو السلطة التي تقع تحت إمرتها القوة الأمنية والقوات العمومية، وبالتالي كان هو المسؤول عمن يحميه، لكن لم ينطق ولكن دواخله هي التي نطقت.
الواقعة الثانية، حدثت بعد أن مات بنكيران سياسيا وحاول العودة من قبر الأحزاب، حيث قال إن حزبه لن يسلم حامي الدين، للجهات التي تستقصده. وكعادته لم يسم هاته الجهات. لكن يعرف أن القيادي الإسلامي مطلوب للقضاء في قضية مقتل أيت الجيد وبالتالي هو لا يريد أن يسلم هذه الجهة التي يعتبر المجلس الأعلى للسلطة القضائية جزءا منها "أخاه" حامي الدين. هذه الجهة هي التعبير عن مؤسسات الدولة أو الدولة.
نسي بنكيران أن تسليم المجرمين المطلوبين للعدالة يتم بين الدول وفق القانون الدولي ووفق اتفاقيات موقعة بين الطرفين. بنكيران يعرف أن العدالة والتنمية مؤسسة حزبية وفق القانون المغربي. لكن في دواخله هو لا يعترف بالدولة ودائما يشعر أنه خارجها. التسليم هنا يعني أن كيان العدالة والتنمية، الذي لا هو حزب سياسي ولا هو ثورة ولكنه كل هذا الغموض، لا يمكن أن يسلم الدولة المغربية ممثلة في مؤسسة القضاء عضوا منه متهم بارتكاب جريمة.
لا يخرج ما قاله بنكيران، في علم النفس السياسي، عن رغبة الرجل في أن يكون غير الذي كان، لكن لانعدام الشجاعة الأخلاقية والسياسية قبل بما هو موجود، لكن هذا القبول صادف ظروفا كثيرة جعلت من بنكيران ما لم يكن يحلم به، اي رئيس الحكومة. هذا الوضع أعاده لعهده الأول وحلمه الأول كزعيم للجماعة وشيخ لها يتقمص شخصيات أنتجتها بيئات مختلفة وظروف مختلفة.
ولا يمكن أن نترك من يعاني من عقدة نفسية سياسية لحاله، ولكن لابد من علاجه بشتى الطرق، بحيث على المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن يتحرك ليعيد الاعتبار لمؤسسة من أخطر مؤسسات الدولة يتهمها بنكيران بالخضوع لجهات مجهولة.
Annahar almaghribiya