أولاً يجدر بي أن أعترف للقراء الكرام، ونحن بصدد مقالات حول الكذب والأخبار الكاذبة، بأني لا أقرب المواقع في [النِّت]، ولا أشاهد التلفزةَ المغربية، بل أقتصر على مشاهدة الأنشطة الملكية لا غير، لأن الكذب فيها مستحيل، بعدها أغيّر فورا القناة عندما تتطرق لنشاط الحكومة، ومؤتمرات الأحزاب، وأخبار المهرجانات، ومشاهد تظهِر لنا مواطنين فرحين، سعداء، مطمئنين، كما كان شأن الإعلام الكاذب أيام [ستالين]، و[غوبَلز]، و[هانْرِّيُو] وزير إعلام حكومة [ڤيشي] الخائنة؛ والسبب في ذلك، هو وصية [نزار قبّاني] حين نصح الشعوبَ العربية بهُجْران قنواتها، والصوم عن مشاهدتها حين قال: [نعم؛ إنّ من يتابع أخبار العرب، ويصدّق ألاعيبَهم؛ ويحضر (سيركاتهم)، ويتكحّل بمرْآهُم على التلفزيون، ويستمع إلى إذاعاتهم، ويقرأ جرائدهم، ويضع عقله بعقلهم، ويأخذهم على محمل الجد، فلابد أن يصاب بعلّة في قلبه]..
فلو كانت حكومتنا صادقة، وإعلامها صادقا، يصدقهما المواطنُ، لهانتْ محاربة الأخبار الكاذبة؛ وبواسطة بيان يكذّب خبرًا ما، لكذّبه المواطنُ، وصدّق حكومتَه، وتلفزتَه الصادقتين؛ لكنّ المواطن المغربي، وبحكم تجربته، يعلم أن الحكومة وإعلامَها الرسمي غارقان في أوحال الكذب إلى الأذنين؛ لا؛ بل إلى ما فوق الأذنين، مما يجعل محاربة الأخبار الكاذبة، كاذبة؛ وربما المراد بها جبايةٌ مثل جباية [ممرّ الراجلين، والصحون اللاقطة].. [بنكيران] وصل إلى السلطة بواسطة الكذب، وكانت أبرز كذبة، كذْبة [الدعوة إلى الله]؛ ثم كل ما وعد به الشعبَ من خير خانه، ثم أدبر ونفر، وتبرّأ من كل ما عاهد عليه الله وأمّة رسول الله، وصار يخدم مصالح الخاصّة، ويضرب حقوقَ العامّة، تمشّيا مع تعليمات [صندوق النقد الدولي] الكذّاب.. هذا (البنك) الذي كان يعتبر [تونس] نموذجًا في التنمية يجب أن يُحتذى، وأن الرئيس [بنْعلي] مثال في الديموقراطية يجب أن يُقْتدى، حتى وقعت الواقعة، فلم يكن لوقعتها كاذبة.. والغريب، أن المغنّي الشهير [بوب غِيلْدوف] يحذّر الشعوبَ من أكاذيب هذا البنك؛ ومن التعامل معه؛ فيما أصحاب [الدعوة إلى الله] الكاذبة، ينفّذون تعاليمَه، ويصدّقون أكاذيبَه، ويضربون قُوتَ الشعب ويشقونه: [يا حسرةً على العباد] صدق الله العظيم.
ثم ماذا؟ أتذكّر عدة كذبات لأصحاب [الدعوة إلى الله]، والكذب هو إمّا قولٌ أو فعلٌ؛ فأمّا الكذب قولا، فقد شاهدناه، وشهدنا عليه؛ لكنْ ماذا عن الكذب فعلاً؟ ألا تذكر مسرحية تناوُل [البيصارة] في [باب الحدّ]؟ ألا تذكر التنقل في سيارة (كانغو) الرخيصة؟ ألا تذكر السفر في القطار يوميا مع عامّة المواطنين؟ واليوم، لكل واحد منهم سيارة فارهة لا يقل ثمنُها عن (50) مليونًا، وتوظيف أبنائهم، والكذب على أبناء الشعب العاطلين.. ألا تراهم يدافعون في البرلمان عن تعدّد التعويضات، كما يدافعون عن تعدّد الزوجات؟ ألم يكن [بنكيران] ذبّاحًا في مذْبح الحكومة، ثم حلّ مكانه [العثماني] السّلاخ، وموزّع لحوم المغاربة على الباذخين، والمنافقين؛ وأكْل لحم المسلم في تعاليمهم جائز بالنص، شريطة ألاّ يُطبَخ احتراما لكرامة صاحبه (لا تضحكْ أيها القارئ الكريم، إنها الحقيقة)! ألا ترى أنهم قالوا بمحاربة الفقر، وتقليص الفوارق، فحوّلوا المتقاعدين إلى فقراء، بكذْبة [إصلاح الصندوق]، فيما الهدف من هذا الإصلاح، هو التغطية عمّن استثمروا بأموال صندوق في سوق الخسائر، فخسروا؟ ألا تذكر دعْوتَهم للفقراء، والأرامل، بإعداد بطائقهم الوطنية ليتقاضوا تعويضات؛ فسفّههم الله، وفضح كذْبَتهم الذميمة؟ ألم يضعوا قانونين: واحد بيدهم اليمنى يأخذون به من قوت المواطنين؛ والآخر بيدهم اليسرى يدفعون به للباذخين، تساندهم [نوموكلاتورا] في البرلمان، هي أشبه بـ[النوموكلاتورا] التي أدّت إلى انهيار (الاتحاد السوڤياتي)؛ وقد تحدّثنا عنها في مقالات سابقة؟
[العثماني] اليوم، بقراراته مثل [مخالفة ممر الراجلين]، و[الصحون اللاقطة]، و[نشْر الملابس] على الشرفات، لأن ذلك يمس بجمالية مدننا؛ لقد خاف على جمال الجدران ولم يخفْ على نفسية المواطن البئيس؛ فأقرّ مخالفةً زجرية، يعني (جباية) إضافية.. فـ[العثماني] في هذه التفاهات، (وذاك مبْلغ عِلْمه، ودليل فشلِه، وحجّة ضعْفه) أراد أن يغطّي على مساوئه، بحيث تشبّه في سياسته بـ[الحاكم بأمر الله] الفاطمي في (مصر)، الذي اتخذ قراراتٍ وصفها المؤرّخون بالأمور المضْحكة، حيث منع أكْل [الملوخيا]؛ ومنع أكْل [بَقْلة الجَرْجير]؛ ومنع شرْب [الفُقاع]؛ وكلّ مَن فعل، يؤدّي مخالفةً: اُنظر كتاب: [الخطط] لصاحبه (المقريزي)؛ صفحة (341)؛ جزء (02).. ونحن اليوم، نعيش عصر [الفاطميين]، أصحاب الطّيْلسان، والـمِظلّة المذهَّبة، يمشون تحتها إلى المساجد لأداء الصلاة، والشعب يعيش ضائقةً مزريةً.. فهل هؤلاء عندنا قادرون على محاربة الأخبار الكاذبة، وهم في الكذب أساتذة، وفي النفاق جهابذة، وفي أموال الأمة مبذّرون، وفي قهْر الشعب فراعنة، وفي الصّلاة أشباه (ابن سَلول)، وفي التدبير أضْعفُ من [مروان الحمار] آخر خلفاء بني أميّة..