الذين حاولوا أن يصوروا لنا خرجة إبن كيران الكلامية الأخيرة باعتبارها عودة سياسية للرجل محترفو كذب من الدرجة الرفيعة بالفعل، فالرجل لم يتجاوز حدود السباب في حق الجميع، وانتقل من السباب الخفي ضد من لم يوافقوه الرأي والهوى داخل حزبه إلى السباب العلني ضد من يعتبرهم سبب خروجه من الحكومة من خارج الحزب، فيما عدا ذلك لا شيء.
أكثر من هذا بدا الرجل وكأنه هدم، من خلال الكلمات العصبية التي ندت عنه وهو يتحدث إلى شبيبة حزبه، مابناه على امتداد خمس سنوات من صورة رجل الدولة الحكيم الذي يفضل مصلحة الوطن على ماعداها من المصالح العابرة والآنية والصغيرة، واستطاع بالفعل أن يقنع الشعب المغربي أنه متشبث بالكرسي الحكومي وأن الخروج من الحكومة شكل له صدمة لم يبرأ منها إلى الآن، وهو مستعد لأجل العودة إلي التكشير عن كل أنيابه حتى تلك التي يعرف الكل وهو أول هذا الكل أنها لم تعد تستطيع عضا منذ زمن غير قصير.
ولو كانت الجوقة المنافحة عن ابن كيران صادقة معه فعلا لصدقته القول، ولأخبرته أن زمنه بالفعل قد انتهى وأنه من الأفضل له أن يبحث عن طريقة أكثر حكمة لتدبير الباقي من الزمن، لكن الانتصار لمنطق « تأليف الجيب » الذي لطالما تحدثنا عنه خلال الحقبة الابن- كيرانية في الحكومة أعمى هاته الجوقة، ودفعها هي التي تعرف هي الأخرى أن جزءا من مصالحها قد ضاع مع خروج « الزعيم » من المنصب إلى النفخ في رماد بارد هو كلام إبن كيران أمام الشبيبة يوم السبت الفارط.
الحقيقة المغربية اليوم هي أن النقاش تجاوز إبن كيران إلى مرحلة البحث عن تجديد هاته الممارسة الحزبية الشائخة التي يمثل ابن كيران جزءا أساسيا منها، والتي تعود إلى سنوات خلت الكل يعرف ملابساتها والكواليس
الشعب المغربي يريد اليوم الجديد، ويريد نخبة حزبية من أبنائه، ويريد الانتهاء من الماضي السحقي، ويريد النظر إلى المستقبل، لذلك يبدو له الاكتفاء ب « نقار الحمامات » أمرا غير ذي جدوى وغير ذي بال.
لسان حال شعبنا اليوم يقول « جربناك سيدي لخمس سنوات واكتفينا، فعساك ألا تقول لنا بكل الطرق هل من مزيد؟ لأنه لا مزيد »