تساءل كثير من المهتمين عن الصفة التي خاطب بها عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعزول والأمين العام لحزب العدالة والتنمية السابق، المؤتمر السادس لشبيبة الحزب؟ فالرجل لم تبق له أية صفة بما فيها عضوية الأمانة العامة للحزب. لكن الطريقة التي حضر بها كأنه يريد أن يقول للأمين العام سعد الدين العثماني إني أقتسم معك هذا الشيء الذي اسمه حزب الإسلاميين. كان بالإمكان تكريمه أو حضوره لتقديم تجربته في الحكومة ورئاسة الحزب لكن أن يأتي خطيبا منافسا للأمين العام فتلك قصة أخرى.
عودة بنكيران بعد موته السياسي المعلن من قبل إخوانه وأبنائه، الذين أرادوا التخلص من عقدة الأب، وفق المنظور الفرويدي، (عودته) تفيد أن الرجل يعاني من عقد كثيرة ومن بينها عقدة المكر، تجاه كل شيء. تجاه إخوانه وتجاه مؤسسات الدولة.
لقد قال بنكيران باطلا. قال إن حزبه لن يسلّم حامي الدين للجهات التي تستهدفه. وكعادته لم يسم تلك الجهات، التي كان يصفها في السابق بالتماسيح والعفاريت. حامي الدين مطلوب للقضاء في قضية مقتل أيت الجيد محمد بنعيسى، الطالب اليساري الذي اغتالته الجماعات الإسلامية بداية تسعينات القرن الماضي.
لقد كان حامي الدين قد صرح لقاضي التحقيق بأنه ينتمي للطلبة القاعديين التقدميين، أي الفصيل الذي ينتمي إليه القتيل، فتم تكييف التهمة على أنها مشاركة في مشاجرة أدت إلى وفاة. لكن تبين أنه ضلل العدالة لأنه كان ينتمي لفصيل إسلامي بمعنى أن التهمة هي المشاركة في القتل. وتبقى بالنتيجة تهمة وليست حكما من اختصاص القضاء.
فلما يقل بنكيران لن نسلم تلك الجهات حامي الدين فهو يطعن مباشرة في السلطة القضائية، التي أصبحت بحكم دستور 2011 وبعد صدور قانون فصل النيابة العامة عن وزارة العدل، سلطة مستقلة بشكل كامل عن باقي السلط. فهل ستقوم هذه السلطة برد الاعتبار لنفسها وتفنيد كلام بنكيران وهلوساته ولم لا الاستماع إليه؟
عندما يقول بنكيران لن نسلم حامي الدين فهو يريد أن يوحي بأن العدالة والتنمية سلطة زائدة وفائضة عن باقي السلط، ومن شأنها حماية القتلة. فمفهوم التسليم يكون بين الدول. فماذا يريد أن يقول الرجل؟
منذ مدة طويلة وبنكيران يوحي للناس ولأعضاء حزبه أنه يشبه زعيم قريش أبو سفيان "فمن دخل داره فهو آمن". لقد حول الحزب إلى مظلة للمجرمين والقتلة ومرتكبي الجنح. ونتذكر بهذه المناسبة قضية جامع المعتصم، الذي تم اعتقاله على خلفية ملف ثقيل يتعلق برخص البناء لما كان رئيسا لجماعة بطانة بسلا. لقد أقام الدنيا ولم يقعدها ونظم المهرجانات الخطابية دفاعا عنه ووصفه بأنه ولي الله وأن الحزب كله معه وقضية المعتصم قضيته. فخرج المعتصم في ظروف خاصة، لا يمكن أن تتكرر بعد سبع سنوات من الدستور الجديد، وأصبح رئيسا لديوانه وعضوا بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي.
بنكيران اليوم يتحدى السلطة القضائية بسلطة فائضة اسمها العدالة والتنمية، رغم أنه لم يعد يملك أية سلطة على الحزب سوى سلطة التاريخ التي لم يفهم بعد أنه قد محقتها جغرافية الوزارات والمناصب العليا.
إن بنكيران يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لا يؤمن بالديمقراطية، كما أن خرجاته الأخيرة تكشف ان حزبه كان يمارس التقية ويقول ما لايفعل، على الاقل في ظل ولاية بنكيران، وانه لا ينتظر سوى الفرصة للانقضاض على كل شيء وإرجاع المغرب إلى عهود بائدة.
تليكسبريس