من أخلاقنا - نحن في سورية- ألا نسمي المتسول متسولاً، وإنما نسميه محتاجاً…
أما في باقي أصقاع الأرض، فيسمونه متسولا أو شحاداً…
شيء طبيعي ان يكون التشرد والغربة والفقر والنفي… كلها من مخرجات الحروب.
ولكن الشيء غير الطبيعي أن يعامل من هُجِّر من دياره معاملة الذليل وقد كان في بلده عزيزاً كريماً… !
فهذه المرأة السّوريّة المتسوّلة التي تتحدث عنها رسالة الماجستير، كانت سيدة في بلادها، ثم صارت متسولة في بلادكم، كانت ربة منزل لها أسرة وجيران، وربما تحمل شهادة الماجستير نفسها…
أو قد تكون معلمة أو مهندسة أو كاتبة… وهي الآن تكتب عنكم في الوقت الذي تظنون فيه أنكم تكتبون عنها رسائل الماجستير…!
هذه المرأة السورية التي كانت تطبخ لأولادكم (أصدقاء ولدها) القادمين من الجزائر للدراسة في سورية بالمجان، وكانت تعاملهم كأولادها…
هذه المرأة السورية التي كانت تدفع ولدها ليدافع عن شرف الامة المهدور بأمثالكم…
هذه المرأة السورية التي كانت تضمّ أزهار الياسمين الشامي لتجعل منها طوقا تهديه لأحبتها، ولكنها الآن بلا ياسمين وبلا أحبة… هذه فلسفة لا يدرك معانيها إلا أهل الشام…
هذه المرأة السورية المتسولة من نسل أمراء بني أمية ولكن جارت عليها الأيام، فطرق أمثالها أبواب أمثالكم…
وقد تكون هذه المرأة المتسولة من نسل الأمير عبد القادر الجزائري الذي اختار أن تكون دمشق منفاه الأخير، فاستقبله أهل الشام بالتكبير والتهليل، فأنزلوه منازل الأمراء التي تليق به وأغدقوا عليه وعلى جماعته الاموال والاراضي والاوقاف، لأن العظماء يعرفون قدر بعضهم بعضاً…
حتى عندما مات، دفنوه إلى جوار قطبهم محي الدين بن عربي، فأكرموه حياً وميتاً…
وقد تكون هذه المتسولة هي نفسها التي خاطت علم الجزائر بيديها لترفعه في المظاهرات خلال حرب التحرير، ثم باعت ذهبها وأرسلت المال لتشتروا به سلاحاً تدحرون به المستعمر الفرنسي…
قد تكون متسولة نعم، ولكن الشيء الأكثر أهمية من التوصيف ومن نيل شهادة الماجستير هو :
لماذا ألجأتموها إلى التسول؟
أليس في الجزائر بيوت؟!
أليس في الجزائر طعام؟!
أليس في الجزائر ثياب؟!
أليس في الجزائر من يقرأ قوله تعالى (يطعم الطّعام على حبّه مسكينا ويتيما وأسيرا) ؟
أليس في فلسفتكم شيء اسمه ضيف؟
أليس في فلسفتكم شيء اسمه إغاثة الملهوف؟
أليس في فلسفتكم شيء اسمه الإنسانية؟
ألا يوجد على وجه الأرض شعب كالشعب في بلاد الشام ؟
تعلمون ماذا فعل السوريون بأشقائهم الهاربين من الحروب؟ من فلسطين والجزائر ولبنان والعراق ؟
كنا نسميهم "ضيوفا" وسكنوا في أفضل المناطق وفي دمشق أرقى حي يسمى حي المهاجرين
لم نرضَ أن يسكنوا في المدارس والمخيمات أو تحت مشمّع مطري ما بين دولتين… بل أسكناهم بيوتنا، وأطعمناهم مما نأكل، وألبسناهم مما نلبس… حتى عادوا إلى ديارهم من غير أن يفقدوا ذرة واحدة من كرامتهم…
ماذا نفعل والكرام والكرامة والأنفة تُوَرّث ولا تُكتسب… ؟!
يطلق المحللون على الحرب في سورية اسم (الفاضحة) لأنها فضحت الجميع… فضحت الأشقاء قبل الأعداء…
ومن أجل الإنصاف، هذا الكلام لا ينطبق على كل الشعب الجزائري، لأن فيه من العظماء ما فيه.. حكمت ظروف الحرب على أهل سوريا باللجوء الى بلد عربي رغبة بالأمن والأمان علهم يجدوا اخوانا لهم ناصرين كما فعل الانصار مع المهاجرين ولكن لو ذهبوا الى دولة اوربية مسيحية لكان أشرف لهم وسيجدون العون والأمان كما وجده الصحابة عند هجرتهم الى الحبشة المسيحية فعاشوا عند النجاشي ١٥ سنة بأمن وأمان حتى عادوا لبلادهم بعد فتح خيبر .
أحلام العضم