سُئِل رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: [يا رسولَ الله، هل يزني المؤمنُ؟ قال: قد يكون ذلك.. ثم سُئِل: يا نبيَ الله؛ هل يكذب المؤمن؟ قال: لا؛ ثم أتْبعَها بقول الله تعالى: "إنما يفتري الكذبَ، الذين لا يؤمنون بآيات الله، أولئك هم الكاذبون"].. من هنا نرى أن الكذب أفظع من الزنا، والخمر؛ وأن الكذّاب قد اعتُبِر في عداد مَن لا إيمان لهم، والنص القرآني صريح، والحديث الشريف يشرحه، ويطابقه، ولا يصادمه، كما هو شأن الأحاديث الأخرى المكذوبة، أو الموضوعة، التي يعجّ بها تراثٌ نصدّقه، ونقدّس أصحابَه.. لكنْ ما هو الكذب؟ وما هي أنواعه؟ وما هي نتائجه وأخطاره على الأمم؟
الكذب: [mensonge] ضد الصدق؛ فإذا أطلقتَه على الخبر، دلّ على عدم مطابقته للواقع؛ تقول: الخبر الكاذب؛ وإذا أطلقتَه على الشيء، أو الفعل، دلّ على التزييف، أو الغش؛ تقول: التواضع الكاذب؛ وإذا أطلقتَه على الشخص الإنساني، دلّ على عدم مطابقة سرِّه لعلانيته كالـمُرائي الذي يدّعي بما ليس فيه؛ وإذا أطلقتَه على الفكر، دلّ على فساد أحكامه، لأن الحكم الفاسد، هو الحكم الكاذب.. والكاذب نقيض الصادق؛ كما أن الباطل نقيض الحق؛ والكذب قبيح بذاته، مقصودًا كان أو غير مقصود؛ إلا أن بعض المحْدثين يقول: إن الكذب لا يكون قبيحا إلا إذا كان المقصود به إضلالَ الناس؛ أي إخفاء الحقيقة تعمُّدا عمّن يجب أن تقال له.. وهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، يُجْمِل القولَ في الكذب عامة إذ قال: [لعن الله الكاذبَ، ولو كان مازحًا.] وصدق رسول الله.. وللكذب نتائجُ وخيمة، وعواقبُ مدمّرة، وهنا سأسوق أمثلةً من التاريخ، للتدليل على ذلك..
في سنة [1939] وقُبَيل اجتياحه لـ[بولونيا]، ألقى [هتلر] خطابا في [قصر الرياضة]، تحدث فيه عن البولونيين، فوصفهم بالجيران الظرفاء، وتعهّد بإقامة علاقة تقوم على الثقة، وحُسن الجوار.. وفي اليوم التالي، أرسل النازيون [كوماندو] من قوات (إيس ــ إيس) إلى الحدود مع [بولاندا]، وقتلوا (30) من حرّاس الحدود الألمان، فأُلْصِقت التهمة بالبولونيين؛ وما كانت [بولونيا] لتفعل ذلك، وهي منطوية على نظام إقطاعي، بعد بروزها من جديد في الخريطة سنة [1918]، واقتُطِعت [دانزيك] المطلّة على بحر الشمال، وأُعطيت لـ[بولونيا]، وكانت بين فكّي كماشة: النازية غربا، والشيوعية شرقا، ولا يمكن لـ(بولونيا)، أن تقْدِم على عمل يهدّد سلامتَها.. وفي اليوم الثالث، هاجم [هتلر] بموجب كذبةٍ هذا البلد، واعتُمدت لأول مرة [البليز كريغ] أي (الحرب الخاطفة)؛ واستسلمت [بولونيا]، واقتسمها [هتلر] مع [ستالين] في [بريست لتوفسك]، وكان نهر [الفيستولا] هو الحدود بينهما..
في حرب [ڤيتنام]، اقتصرتْ مشاركة أمريكا على إمداد [الڤيتنام] الجنوبية بالسلاح، والمستشارين العسكريين تمشيا مع مبدإ: [la viétnamisation de la guerre] يعني [ڤَتْنَمَة الحرب]، بحيث على الجنوبيين محاربة الشيوعيين الشماليين بأنفسهم؛ ولكنّ فساد سياسة [سايغون]، وفساد الجيش، والحكومة، جعل هذا المبدأ عسير التطبيق؛ فقرّرت [أمريكا] الدخول في الحرب ضد [ڤيتنام] الشمالية، ولكنّها بحاجة إلى مبرّر، فأبدعت [أمريكا] كذبة المدمِّرة [مادوكس]، حيث ادّعت أن الڤتناميين الشماليين، هاجموا هذه المدمرة، وتبعًا لذلك، ورّطت [أمريكا] نفسَها في حرب [ڤيتنام].. وفي برنامج تلفزي، صرّح الطيار الأمريكي الذي قام بمسح المنطقة، بأنه لم يكن هناك هجومٌ على المدمّرة؛ ثم غمز مبتسما للدلالة على الكذبة؛ ولـمّا سُئِل [ماكنامارا] وزيرُ الدفاع، عن الكذبة، نفاها؛ فقال له مقدّم البرنامج: [أنتم حكومة كذّابين]؛ فاستشاط غضبًا، وغادر البرنامجَ فورا.. وكان لهذه الكذبة نتائجُ وخيمة، ومع ذلك، اكتسح الشماليون الجنوبيين، وطُرِد الأمريكان بشكل مذلّ، وتوحّدت البلادُ من شمالها إلى جنوبها..
وفي سنة [2003]، اقتنع [جورج بوش الابن] بخلو (العراق) من أسلحة الدمار الشامل؛ فأغرتْه مهاجمةُ (العراق)؛ فجعل من أسلحة الدمار الشامل كذبةً ليبرّر بها دمار هذا البلد العربي؛ وهكذا، ودون موافقة مجلس الأمن الدولي، وضدًا على الشرعية الدولية، هاجمت [أمريكا] (العراق) وأعادتْه إلى العصر الحجري، تماما كما وعد [جيمس بيكر] نظيرَه العراقي [طارق عزيز] في (جنيڤ) سنة [1990]، وهكذا جعلوا من أرض (العراق) موْطئ قدم لتدمير العالم العربي بأسره، بواسطة الإرهاب، وبالجماعات الإرهابية التي وظّفوها، وموّلوها وتخفّتْ وراء ستار الدين، ولعنة الله على الكاذبين..-
فارس محمد