تُصر أطراف عديدة على ألا تمر أطوار محاكمة معتقلي أحداث الحسيمة في أجواء طبيعية، بغرض تصوير المحاكمة غير عادلة. عرقلة المحاكمة تدخل في نطاق المؤامرة التي رافقت الأحداث منذ بدايتها، ولولا اللعبة التي انخرطت فيها جهات متعددة بالداخل والخارج، لتم حل المشاكل التي تعرفها المدينة في وقت قياسي، لكن أطرافا عديدة استغلت الأمور الاجتماعية لتحقيق أغراض سياسية وشخصية.
لقد ركب الموجة انتهازيون وحشاشون وتم تحويل الاحتجاجات الاجتماعية عن مسارها الطبيعي، فقد كان الهدف هو توريط المغرب في مواجهات عنيفة مثلما يجري في الشرق، لكن فاتهم أن المغاربة دائما يلفظون الفئات المتآمرة، خصوصا تلك التي ترتبط بجهات في الخارج، حيث تم بسرعة البرق تشكيل لجان للتضامن بكل من بلجيكا وهولندا وبعض الدول الأخرى بغرض الإساءة للمغرب.
لقد حضرت نزعة المؤامرة من البداية. فبعد مقتل محسن فكري، بائع السمك، وبشكل عرضي في حاوية الأزبال، ظهرت الاحتجاجات مطالبة بمحاكمة المتورطين في القضية، فسارعت السلطات المعنية فورا بفتح تحقيق في الموضوع، وتم إعفاء مسؤولين جهويين كبار كما تم عرضهم على التحقيق، وجرت المحاكمة، وأصدرت المحكمة عقوبات مستحقة في حق كل من تبت تورطه في القضية أو على الأقل كان مسؤولا بشكل أو بآخر.
لكن لغة التآمر ظهرت بشكل جلي، حيث خرجت جهات ترفض المحاكمة وتطالب بالتحقيق مع المسؤولين الكبار في الدولة. ولما تبين لهم أن القضية غير رابحة، رفعوا شعارات أغلبها مزايدات لا يمكن تحقيقها في أي مكان في الدنيا. وتم تحرير ملف مطلبي ضخم ومعجز.
ورغم ذلك دخلت السلطات المعنية في حوار مع متصدري الحراك، لكن بما أنهم لم يكونوا راغبين في حل المشاكل كانوا يرفضون كل لجنة تذهب لمحاورتهم. ومن طرائف ما يسمى حراك الريف أنهم كانوا يطردون الوزراء المعنيين بالحوار ويرفعون الشعارات المناوئة للمؤسسات. فمع من كانوا يريدون الحوار؟
ومنذ انطلاق الاحتجاجات شرعت الجهات إياها في توظيف مشبوه لحركة الشارع، وعلى عكس ما يزعم الزفزافي ومن معه اليوم، فقد رفعوا شعارات انفصالية واضحة، وفي أحد الأشرطة يقول متزعم الحراك "ورب الكعبة إن الاستعمار الإسباني أرحم من الاستعمار المغربي". لغة انفصالية واضحة ولم يتخلى عنها إلا بعدما شعر بأن المواطنين يرفضون مثل هذا الكلام ويعتبرون صاحبه خائنا.
وكلما دعت الدولة للحوار كان زعماء الحراك ومن يقف وراءهم يسعون للتصعيد. ومن أخطر ما أقدموا عليه يوم 27 مارس الماضي، حيث قاموا بحرق عمارة يقطن داخلها رجال الأمن، مما اضطرهم للقفز من الطابق الثاني حيث تعرض كثير منهم لكسور خطيرة كما تم إحراق سيارات الشرطة.
وكل مرة يخرج فيها الحراكيون للشارع يغلق التجار محلاتهم خوفا من التخريب والنهب، ومع ذلك يرفعون شعار السلمية. نعم السلمية مفهوم جديد عند هؤلاء. حيث أرسلت السلمية أكثر من 600 شرطي و120 من القوات العمومية و27 دركي إلى المستشفى من بينهم حالات عطب دائم.
ما يجري اليوم من عرقلة للمحاكمة يدخل في سياق المؤامرة ولا يخرج عنها بتاتا، فمهما حاولت هيئة القضاء أن تكون سلسلة ومرنة زادوا هم من اتهاماتهم تجاه المؤسسات بغرض توتير الوضع وبعث رسالة للخارج.