شكلت الكلمة التي بعثها جلالة الملك محمد السادس، إلى القمة الثلاثين لمنظمة الاتحاد الإفريقي، منعطفا جديدا في النظر إلى الهجرة، وهي رؤى حاولت تسفيه الكلام الرائج عن المهاجرين الأفارقة، الذين يتم تصويرهم على أنهم سبب لمشاكل عدد من دول العالم، لكن الرسالة الملكية تقول كفى. كفى من الافتراء على أبناء القارة السمراء وكفى من وضع اليد على خيرات بلدانها التي لا يستفيد منها السكان.
بالأرقام كذبت الرسالة الملكية ما يقال عن الهجرة الإفريقية، باعتبار أن أربعة أخماس تتم داخل القارة نفسها، وكذبت أيضا المزاعم التي تقول إنها تساهم في تفقير بعض الدول، باعتبار أن 85 في المائة من مدخول المهاجرين يتم صرفه في بلدان الإقامة وتحويل الباقي إلى البلد الأصلي وهي نسبة ضئيلة.
لما يتحدث قائد كبير بهذه الجرأة فإنما يواصل تحديه للدول الاستعمارية السابقة التي ما زالت لم تشبع من نهب خيرات إفريقيا، والتي بسببها يضيع أبناؤها في متاهة الهجرة، وبالتالي لم يكتف الخطاب الملكي بالتشخيص بل انتقل إلى حيث ينبغي وضع الملح على الجرح، حتى يستشعر الأفارقة ضرورة علاج هذه المعضلة.
لم تكن الهجرة في يوم من الأيام، لأنها بالنتيجة هي الوسيلة للبحث عن أمكنة أفضل وفرص أحسن، وإمكانيات تفاضلية، وليس البحث عن لقمة عيش يمكن أن يتم توفيرها في عين المكان، وبالتالي فإن البحث عن مخارج لقضية الهجرة لا يعني منعها أو الحد منها، ولكن تحويل مسارها من هجرة معيشية إلى هجرة للتبادل والإغناء والبحث عن الفرص الأرقى.
يصر جلالة الملك في كل الكلمات التي وجهها أثناء زياراته للبلدان الإفريقية على أن كل شيء بيد إفريقيا إن هي أمسكت المقود بيدها وفهمت معنى السيادة، والقطع من الاتباع للغرب وتوليد الأفكار والمشاريع الذاتية النابعة من عمق القارة وخصوصياتها وإمكانياتها وما تختزنه من ثروات طبيعية وبشرية، حيث يمثل الأفارقة اليوم قمة الخبرات الدولية في كافة المجالات.
غادر المغرب المنظمات الإفريقية سنة 1984 ولم يغادر التفكير فيها وفي همومها، ولهذا بعد سنة من عودته قدم الشيء الكثير للقارة، ويكفي أن يتكلف المغرب ويتكفل برعاية موضوع الهجرة الذي يؤرق البلدان في هذه القارة، والذي يلعب فيه الإعلام الدعائي والشائعات دورا كبيرا أكثر من الحقيقة على أرض الواقع، وهي التي فندتها الرسالة الملكية بالأرقام.
تفنيد الشائعات لا يعني أن هناك واقعا غير طبيعي يدفع كثيرا من المواطنين للهجرة بحثا عن العيش فقط، ويمثل المغرب نموذجا للاستقرار والمكوث بدل العبور نحو القارة العجوز، وتبين أن المواطن الإفريقي إذا أتيحت له الفرصة، مهما كانت بسيطة، يتمسك بها ويطورها ويتفاعل معها.
وأظهر المغرب قدرة كبيرة على التعاطي مع موضوع الهجرة ولهذا أصبح محط أنظار العالم ومنظماته الدولية والقارية المهتمة بالموضوع لأنه بلد متفرد في التعامل مع المهاجرين.
الرسالة الملكية صرخة في وجه الظلم الدولي الذي تمارسه القوى الاستعمارية السابقة ضد شعوب إفريقيا وتشكو بالنهاية من الهجرة السوداء نحوها.