|
|
|
|
|
أضيف في 08 دجنبر 2011 الساعة 47 : 08
يقصد بالحكامة نظام التحكم في تسيير الشأن العام بغرض ترشيده وقد اتضح إثر فوز حزب العدالة والتنمية بالمرتبة اﻷولي في انتخابات 25 نوفمبر وتكليف أمينه العام برئاسة الحكومة أن الحزب له وجهة نظر بالنسبة لتلك الحكامة يراها ﻷمثل في شأنها، وتتلخص في أمرين أساسين يتصلان بها، وأمر ثالث له دوافع سياسية ونفسية الهدف منه جعلها مقبولة من الجمهور المغربي. على النحو التالي:
اﻷمر الأول: تقليص عدد الوزراء كانت رؤية الحزب هي أﻻيزيد عدد أعضاء المجلس الحكومي عن خمسة عشر وزيرا باﻹضافة إلى رئيس الحكومة. لم يكن يعني هذا إلغاء وزارات أو دمجها في وزارا أخرى واﻹخلال بالهياكل الوظيفية ها، وإنما كان القصد من هذا اﻹجراء اﻻحتفاظ بنفس الوزارات القديمة، وأن يكون على رأس كل منها كاتب دولة له كافة صلاحيات الوزير يدبر شؤونها ويتم في نفس الوقت تكوين مجموعات من تلك الوزارات التي تكمل بعضها، يشرف على كل مجموعة منها وزير. وعلى سبيل المثال تضم مجموعة وزارة الزراعة كتابة دولة للفلاحة وكتابة دولة للصيد البحري وكتابة دولة للمياه والغابات وكتابة دولة للبيئة. وتضم مجموعة التعليم كتابة دولة للتعليم اﻷساسي وكتابة دولة للتعليم الثانوي وكتابة دولة للتعليم العالي وكتابة دولة للبحث العلمي. والهدف من ذلك أنه عوض أن يجتمع رئيس الحكومة بثلاثين وزير يجتمع بنصف العدد ويقدم كل وزير تقريره عما تم انجازه من البرنامج الحكومي المتعلق بكتابات الدولة في وزارته.وربما يستهدف الحزب من هذا أيضا منح رئيس الحكومة والوزراء مرونة أكثر في ممارسة صلاحياتهما، فعندما يتضح أن كاتب دولة لم يستطع الوفاء بمتطلبات البرنامج الحكومي يستطيع الوزير أو رئيس الحكومة تغييره واستبداله بمن هو أكثر كفاءة دون أن يحتاج الأمر إلى تعديل وزاري لو كانت كتابة الدولة تأخذ شكل وزارة أو استصدار مرسوم ملكي بتعيين كاتب الدولة الجديد.
وقد ووجه هذا التوجه بمعارضة أحزاب الكتلة التي أجرى معها رئيس الحكومة مشاورات مبدئية للمشاركة في حكومة ائتلافية مع العدالة والتنمية، فكل حزب يريد أن يعود إلى حزبه ويقول لهم بأنه حصل على كذا مقعد وزاري لكي يوافقون على اﻻنضمام إلى الحكومة ﻷنه كلما زاد عدد المقاعد الحاصل عليها كان ذلك مكسبا رمزيا هاما للحزب.ويتضح من هذا الموقف للأحزاب التي عرض عليها المشاركة أن مشاركتها ليس لرغبتها في اﻹسهام في خدمة المغرب وإنما للحصول على مكاسب رمزية ومعنوية إذا برأناها من الرغبة في الحصول على مزايا مادية وعينية أيضا.
يتضح هذا مما قاله رئيس الحكومة المعين عبداﻻله بنكيران حين استضافته قناة "الأولى" في برنامجها "لقاء خاص" مساء يوم السبت 3 ديسمبر، إذ قال: أن حصيلة مشاوراته مع الأحزاب الثلاثة المشكلة للكتلة الديمقراطية جعلت حزب العدالة والتنمية يتوصل إلى قناعة مفادها أن عليه "اجتناب التسرع” في كل خطوة يقدم عليها، إلى جانب "اعتماد المقاربة التشاركية” في كل الأمور التي تخص تشكيل الحكومة المقبلة. وأنه بخصوص تشكيلة الحكومة المقبلة، قال بنكيران إن حزبه كان يميل إلى فكرة "حكومة مقلصة” من الناحية العددية، على اعتبار أن ذلك من بين العوامل التي تسهل التحكم في التدبير، إلا أنه بعد المشاورات التي أجراها لحد الآن مع بعض قادة الأحزاب المغربية تبين أنه "من الصعب تشكيل حكومة مقلصة”، مشيرا إلى أن الرأي الذي يميل إليه الجميع حتى الآن هو تشكيل حكومة من 25 حقيبة.
وكان هذا بداية تنازلات حزب العدالة والتنمية أمام أحزاب الكتلة الديمقراطية وربما لم يقنع حزب اﻻتحاد اﻻشتراكي بهذا التنازل فأعلن يوم اﻷحد عدم مشاركته في الحكومة قبل أن تنتهي المشاورات معه.
اﻷمر الثاني: اشتراط الكفاءة المهنية اعتاد المغرب خلال العقود المنصرمة بالنسبة للحكومات التي تأسست من اﻷحزاب السياسية أن ترشح اﻷحزاب شخصيات قيادية لديها لشغل أي منصب حكومي دون حاجة ﻷن يكون المرشح له أدنى علاقة بمهام الوزارة التي يعين فيها أو دراية بشؤونها أو لديه رؤية خاصة بتطويرها. ولذا كانت الحكومات في واقع اﻷمر شكلية وكانت أمور الوزارات يتم تدبيرها بواسطة كاتب عام الوزارة وليس الوزير، وكان كل هم الوزير هو اﻻمتيازات التي يحصل عليها وتوفير مناصب شغل لعدد من أعضاء حزبه على هيئة مستشارين له والسعي نحو تعيين من يستطيع داخل الوزارة من حزبه أو أقاربه وأصهاره إن خلا منصب فيها. وسمعنا عن أن الوزير مهمته سياسية وليست تقنية ﻷن الوزارة وزارة سياسيين وليست وزارة تقنوقراط. وكان يفترض أن تتغير نظرة اﻷحزاب الى اﻻمر بعد تعديل الدستور إﻻ أنها طلت على ما هي عليه
المنطقي حسب رؤية حزب العدالة والتنمية أن يكون وزير الصحة طبيبا ووزير التعليم خبيرا في التربية ووزير اﻷشغال مهندسا، وأن يتوفر في كل كفاءة مهنية عالية. وإذا كان من أعضاء الحزب من تتوفر فيه هذه الكفاءة فهو أولى بالمنصب، أما إذا بحث الحزب في داخله فوجد أطباء ومهندسين وصيادلة ورجال تعليم ولكن ﻻ تتوفر فيهم الكفاءة ﻻدارة وزارة في تخصصهم فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يبحث عن شخص كفء من خارج الحزب لكي يتولي منصب الوزارة أو كتابة الدولة داخل وزارة.
هذا أيضا لم يحظ بقبول من تم التشاور معهم ﻷن الأخذ به سيترتب عليه أﻻ يتم تلبية رغبة فلان في أن يكون وزيرا حتى لو لم يكن يتوفر على مجرد مؤهل جامعي في أي تخصص، ولذا فإن الحزب الذي توجد لديه كوادر يمكن أن تلبي شروط العدالة والتنمية أبدى قبولا وأما الحزب الذي ﻻ قد تكون لديه كفاءات ولكنه ﻻ يريد منحها فرصة يريدها من لديه من المهرجين فبالطبع لم يكن ينتظر منه أن يقبل.ولم يكن بإمكان العدالة والتنمية التنازل عن شرط الكفاءة طالما أن الحكومة التي يقودها سوف تخضع لمحاسبة الشعب والتاريخ على انجازاتها ونجاحها أو فشلها.
اﻷمر الثالث: الوجوه الجديدة تشكيل الحكومة من وجوه جديدة هو الشرط الذي تمسك به الحزب في البداية بدواعي قد ﻻ تكون لها علاقة مباشرة بجودة الحكامة وإنما حتى ﻻ يجد الشعب ضمن الحكومة الجديدة وجوها قديمة تمثل بالنسبة إليه فساد الحكومات السابقة حتى لو لم يكن الوزير المعاد تعيينه فاسدا وكان كفئا. كما أنه ليس معقولا أن الكفاءة في المغرب محصورة في الوزراء القدامى وأنه ﻻ يوجد في البلد سواهم.. كما أن القول بأن ثمة وزارات تقنية مثل المالية تحتاج إلى تقنيين وأخرى تقريرية لا تحتاجهم هو تلاعب بالألفاظ، فكل الوزارات تحتاج إلى خبراء متخصصين في شؤونها.
هذا الشرط اضطر الحزب أيضا أن يقدم فيه تنازلات فصرح رئيس الحكومة بأن الحكومة لن تكون مائة في المائة جديدة وكل ما تحفظ عليه هو أنه لن يستريح أذا عمل مع وزراء أكبر منه سنا.
حكومة الظل في الدول الديمقراطية يوجد ما يعرف بحكومة الظل. فالحزب الذي كان في الحكومة ثم خرج منها بعد أن خسر اﻻنتخابات وحل محله حزب آخر، يهتم خلال الدورة اﻻنتخابية بأعداد طاقم وزاري جديد يكون جاهزا عندما يأتي عليه الدور في التناوب، فيقدم للشعب وجوها جديدة بخلاف التي غضب عليها من قبل من خيرة الخبراء اﻷكفاء في مجالهم.وخلال فترة اﻻنتظار تلك يقوم كل وزير ظل بتلقي تقرير يومي عن أوضاع الوزارة التي يعد نفسه لها من قبل من يتبعون الحزب فيها ويقوم بدراسة تلك التقارير ووضع خطة عمل مستقبلية للوزارة وتعديلها باستمرار حسب المستجدات لتظهر في النهاية في برنامج الحزب الانتخابي.
ووفق النظام اﻻنتخابي في المغرب ﻻ يستطيع حزب أن يحصل على اﻷغلبية المطلقة ويتمكن من تشكيل حكومة بمفرده، ولم يكن بإمكان حزب العدالة والتنمية وقد فرض عليه خلال السنوات السابقة صراع من أجل البقاء أن يفكر في عمل حكومة ظل تؤمن له الحكامة الجيدة إن كلف بتشكيل وزارة..وﻻيستطيع الحزب اﻵن أن يعتذر للملك عن تشكيل الحكومة ويخذل الشعب المغربي الذي منحه الفوز ﻷول مرة ويبرر ذلك بأن الثقافة السياسية السائدة في البلد ثقافة متخلفة واﻻهتمام بالذات والريع وليس خدمة الدولة هو المتحكم فيها وﻻ يسمح بذلك بالحكامة الجيدة التي ينشدها الحزب لتحسين أوضاع المغرب..إنه أحدى التحديات التي سبق أن ذكرت بأنها ستواجه مثالية الحزب ورؤيته الخاصة بالحكامة التي يعتبر أن المغرب في حاجة إليها للنهوض بأوضاعه..وهذه التحديات التي تواجهه مختلفة عن تلك التي واجهت سمية التركي وتمكن من التغلب عليها.
وقد نشرت وسائل الإعلام المغربية مؤخرا خبرا مؤداه بأن حزب الأصالة والمعاصرة يعكف حاليا على تشكيل حكومة ظل، ولو أن هذا الحزب يعد تلك الحكومة للانتخابات القادمة، وأنه سيطالب بتغيير نظام الانتخابات الحالي لاعتبرنا ذلك مؤشرا على وعي سياسي حزبي جديد نتمنى أن يعم باقي الأحزاب المغربية، ولكن الخبر قد يحمل في طياته وجود نوايا سيئة لدى الحزب لكي يعود مثلما حدث من قبل إلى عملية استقطاب للأحزاب التي ستشكل أغلبية مساندة لحزب العدالة والتنمية بوسائل الإغراء والإرهاب التي اتبعها من قبل لكي يشكل أغلبية له تتمكن من الإطاحة بالحكومة الجديدة وأخذ مكانها وكأن شيئا لم يحدث بالمغرب. لأنه لو ظل النظام الانتخابي على ما هو عليه فلن يتمكن أي حزب من أن يشكل حكومة بمفرده تسمح له بأن يعد حكومة ظل.
إن المغرب لن يستطيع أن يتقدم على درب الديمقراطية في ظل ممارسة السياسة كوسيلة لخدمة البلاد وليس وسيلة للاستحواذ على السلطة عن طريق المكائد السياسية.
فوزي منصور كاتب وصحافي مصري مقيم بالمغرب
|
|
2735 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|