مات [ستالين] صباح يوم (03 مارس 1953)؛ فخلَفه [مالينكوف] لمدة ستة أشهر، لكنه أُزيح من المنصب الذي تولاّه (le bouffon) [خروتشوف] أضحوكة زمانه، و(برناتشو) عصره؛ فزادت امتيازاتُ [النوموكلاتورا]؛ فأين من أراضٍ، ومنازل، وداتْشات، ومنتجعات، وڤيلاّت تابعة للدولة بيعت لهؤلاء بأثمان رمزية، وصارت مِلكًا للفاسدين بوثائق رسمية.. خُصِّصَت متاجرُ تسمّى [الغُوم]، لا يقربها الشعب، وهي خاصة بهؤلاء، وقد زوّدوهم وذويهم ببطاقات يقتنون بها ما أرادوا مجّانا من أجبان دانماركية؛ وشامبانيا فرنسية؛ وسيارات ألمانية؛ وألبسة إيطالية؛ وفواكهَ إسبانية؛ وألبان هولاندية؛ وقس على ذلك؛ وبقيتْ للشعب الشيوعية؛ ثم ماذا؟ ملاهٍ ماجنة؛ وكازينوهات داعرة؛ نعم؛ ليال حمراء، وموائد خضراء، وأفخاذ فتيات عارية.. فترى مثلا الشيخ المراهق [بُولْغَنين] بقامته الطويلة، ولحيته القصيرة، يرقص مع طفلة في سنِّ حفيدته؛ وترى في ما تراه [ڤُروشيلوڤ] وشبيهه [ميكويان] كلاهما يعيشان سن المراهقة بعدما تجاوزا سن السبعين من العمر.. موسيقى صاخبة، وشامبانيا دافقة، مع تحذير الشعب من الحياة الرأسمالية المارقة.. بذخٌ فاجر لا يستطيع المواطن الروسي حتى أن يحلم به لأن العقيدة الشيوعية تحرِّمه، وتنهى عنه..
وتكاثر أصحابُ الامتيازات، وازدادت أعدادُ أصحاب الحيازات، في نظام لا يعترف بالملكية الخاصة، لكن بالنسبة للشعب المقهور فقط.. كانت راقصة [البولشُوي] وتدعى [ماية بليسيتْكاية] تعيش حياةً رأسمالية باذخة، تماما كما تعيش عندنا اليوم أو تزورنا مقابل الملايين فنانات مزيَّفة، يُحتفى بهنّ، وهنّ لا يساوين جناحَ بعوضة في وقت يعيش فيه شعبُنا ظروفا مذِلّة، وأوضاعا مزرية، وأحوالا مخزية.. كانت راقصة [البولشُوي] تعيش في بحبوحة، فيما أبُ برنامج الفضاء الروسي، مات في [بانسيون] متّسخ، وظل ميتا لمدة (05) أيام، قبل أن يُكتَشف من طرف منظِّفة؛ لكنّ الراقصة [بِليسيتكاية] كانت أعلى قدرا ومنزلة من [كراليوڤ] الذي أرسل [غغارين] خارج الغلاف الجوّي؛ وهذا بدوره تعرّض للإهمال، وسوء المعاملة قبل أن يموت في حادثة تحطُّم طائرة مشكوك فيها؛ أما الكاتب [باستيرناك]، وزملاؤه، فقد أُودِعو السجون؛ وأما الكاتب [سولجينتسين] فقد منعوه من تلقّي جائزة نوبل فاختار المنفى، مثل الفيزيائي [سخّاروڤ]..
كان الناس يعتقدون أن الوضع سوف يتغير بعدما حُكِم على [خروتشوڤ] بالإقامة الجَبْرية في [بيسوندا] بعد خلْعه؛ فعجّت سُكناه بأجهزة التنصت، حتى قال في مذكّراته، إنه كان يحرص على ألا يحدث (صوتًا) وهو في المرحاض كي لا يُضْحِك من يتنصّتون عليه؛ لكن الوضع ازداد فسادا بمجيء [بريجنيڤ]؛ وكانت تلك بداية نهاية الاتحاد السوڤياتي، وأصبح عمل الدولة كل مرة هو إقامة مراسيم الدفن لرئيس تجاوز (75) سنة؛ وهكذا، مات [بريجنيڤ]؛ وبعد سنة ونصف مات خلفُه الرئيس [أندروبوڤ]؛ وبعد أقلَّ من سنتين مات خلفُه [تشيرنينكو]؛ وبعده أتى [غوربتشوڤ]، صاحبُ (البيريسترويكا) فأراد الإصلاحَ في نظام منهار من الداخل، وفاسد، مما يستحيل معه أيُّ إصلاح، حتى لإنّ [غورباتشوڤ] باع علاقتَه مع [العراق]، وموقفَه بأربعة ملايير دولار خلال حرب الخليج الثانية؛ ومع ذلك استمرّ الاتحاد السوفياتي في السقوط، وقد كان تفكيك المحطة الفضائية [مير] مؤشرًا على تفكيك الاتحاد، ثم تلاه انفجارُ مُفاعل [تشيرنوبيل].. أغضب [غورباتشوڤ] أسرَ [النوموكلاتورا]، وأصحاب الامتياز، فنظموا انقلابا عليه، وسجنوه في [القَرْم] وتولى الأمورَ الشيوعي [غينادي يَناييڤ] وبعد فشله، اعتُقل، واضطرّ [كورباتشوڤ] عبر شاشة التلفزة، لإعلان موت الاتحاد السوڤياتي، وبدأت الجمهوريات بإعلان استقلالها.
لو زرتَ اليوم [موسكو]، وقصدتَ عنوة الغابة المتاخمة للعاصمة، لراعتكَ صفوفُ [الدّاتْشات] التي استولى عليها أصحابُ [النوموكلاتورا] أيام عزّهم، وفسادهم الذي ولّى؛ نعم! ولّى، ثم الدوام لله سبحانه وتعالى. ولّى كما سيولّي عزُّ وفسادُ وأيامُ هؤلاء عندنا في المغرب، وأرجو الله أن يعجّلَ بذهابهم قبل انهيار البلد بسببهم: [يرونه بعيدا ونراه قريبا] صدق الله العظيم. فأفراد [النوموكلاتورا] الذين أوصلوا [روسيا] إلى حافة هوّة سحيقة بفسادهم، ومظالمهم، وتبذيرهم، وبذخهم، يعيشون اليوم في [داتْشاتهم] كحيوانات مهدَّدة بالانقراض، ويتفادون الظهورَ في الشارع، لأن الشعب يتذكّر سياستَهم، وأكاذيبَهم بالشيوعية، تماما كما يكذب علينا هؤلاء في المغرب، بالدعوة إلى الله، وبالإصلاح، وبالوطنية الزائفة، وبمحبة كاذبة للملكية، فيما هم يحبّون أنفسَهم، ويحرصون على امتيازاتهم، ويعضّون بالنواجذ والأنياب في الحكومة، والبرلمان على حيازاتهم، وتعويضاتهم، ويحكمون على الشعب بالفقر، والقهر، والبطالة، حفاظا على مصالحهم التي يحصّنونها بمراسيم قوانين؛ لكنّ نهايتَهم آتية لا ريبَ فيها؛ وسيكون مصير [النوموكلاتورا] المغربية كمثيلتها الروسية إن شاء الله..
فارس محمد