في ساعة متأخرة من الليل و برئاسة الاستاذ حسن السعداوي و ممثل النيابة العامة بدر عطياش و كاتب الضبط زرقان مراد ثم اليوم النطق بالحكم في ملف الاساتذة المتورطين في الغش في إمتحانات الباكالوريا ، و ثم الحكم على من رشيد الناصري موضف برتبة حارس عام الثانوية التأهيلية البارودي، سعيد فلاك استاذ مادة الرياضيات بالقطاع الخاص، بثلاثة سنوات حبسا نافدا و عشرة الاف درهم غرامة ، و على خالد سراج الدين أستاذ مادة اللغة الانجليزية بمؤسسة مولاي ادريس الازهر الحرة، صفاء أزيي إدارية بمؤسسة بلعربي الخاصة،بسنة و نصف حبسا نافدا و عشرة الاف درهم غرامة، و على عبد المجيد عازاري استاذ اللغة العربية الثانوية التأهيلية البارودي بسنة واحدة حبسا نافدا و عشرة ألاف درهم غرامة، و على خديجة هاشاما أستاذة مادة الفلسفة الثانوية التأهيلية البارودي و فاطمة أشلواح أستاذة لمادة الفرنسية و عبد الاله الحريري موضف برتبة مدرس التعليم الابتدائي بستة أشهر حبسا نافدا و خمسة ألاف درهم غرامة، مع الصائر و الاجبار في الادنى في الدعوة العمومية ، و في الدعوة المدنية التابعة قبولها شكلا و في الموضوع بأداء المدانين لفائدة المطالبة بالحق المدني (وزارة التربية الوطنية) تعويضا مدنياقدره درهم رمزي.
و تعود أحداث إنفجار هذه القضية بعد الشكوك التي راودت أستاذة مصححة لمادة علوم حياة الأرض حول أجوبة التلميذ (أنس.ح)، ابن قاضي سابق، التي تفوق مستواه، وتعززت هذه الشكوك بعد أن تبين للمصححة أن خط تحرير الأجوبة لا يتناسب مع الخط الوارد في أعلى الورقة.
أبلغت الأستاذة المسؤولين بمركز التصحيح الذين نقلوا الخبر إلى مديرة الأكاديمية التي أنجزت تقريرا وجه للجنة المداولات، وأشارت من خلاله إلى أن الأكاديمية قامت بجميع التحريات، وذلك بالرجوع إلى الفروض التي اجتازها المرشح خلال السنة الماضية أي دورة يونيو 2010 في الامتحان الجهوي والتي أسفرت عن أن الخط ومستوى الأجوبة ليسا للمرشح، ووضعت رهن إشارة اللجنة المذكورة أوراق التحرير المتعلقة بالمرشح في الامتحان الجهوي قصد الاستعانة بها ومقارنتها بأوراق تحريره في الامتحان الوطني لدورة يونيو 2011، وذلك للقيام بالإجراءات المناسبة.
ووقفت لجنة المداولة على اختلاف بين خط المرشح في المواد العلمية ومادة الفلسفة من جهة، وبين مواد الامتحان الجهوي للسنة الماضية للمرشح نفسه، لتخلص إلى وجود حالة غش.
ربطت مديرية الأكاديمية الاتصال بنائب وزارة التربية الوطنية بنيابة عين السبع الحي المحمدي قصد استدعاء رئيس مركز امتحانات الباكالوريا، مدير ثانوية البارودي بغية اطلاعه على حالة الغش التي تمت بالمركز سالف الذكر.
استدعى الأمر تشكيل لجنة لتقصي الحقيقة ترأسها نائب إقليمي بمعية مفتشين، وخلصت إلى أن الختم الموضوع بأعلى أوراق التحرير الخاصة بالتلميذ أنس متعلق بأوراق التحرير الخاصة بالمرشحين الأحرار الذين كانوا بقاعات بالطابق السفلي، باستثناء الختم الموضوع على ورقة تحرير مادة الفلسفة الخاص بالطابق الأول. كما سجلت عدم احترام لائحة المراقبين بالنسبة للقاعة 12، التي اجتاز بها التلميذ أنس الامتحان، وغياب توقيع أستاذة مكلفة بالمداومة على محضر فتح الأظرفة، لتتخذ مديرية الأكاديمية قرارا بإعفاء مدير ثانوية البارودي من مهامه، وتم إبلاغ وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر التي تقدمت بشكاية إلى وكيل الملك بمحكمة القطب الجنحي.
بدأت عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحقيقها في الموضوع، واستمعت إلى مدير ثانوية البارودي عبد اللطيف كرضاوي المعفى من مهامه. أكد الرجل أن مهمته تجلت في التنسيق بين جميع الأطراف المتدخلة في عملية إجراء الامتحانات بمن فيهم المراقبون ورؤساء لجن الامتحان والأساتذة المداومين والمرشحون ومصالح النيابة العامة والأكاديمية الجهوية، بمساعدة مراقب الجودة.
وتحدث الكرضاوي عن المراحل التي مر منها الامتحان قبل أن يمر إلى الحديث عن شكوكه حول الحارس العام (رشيد.ن) الذي أكد بشأنه أنه خلال تعيينه مديرا للثانوية طالب منه بعض الأساتذة أخذ الحيطة والحذر منه لأنه يتمتع بسمعة غير طيبة.
وكشف المدير عن محاولة مساومة تعرض لها قبل خمسة أيام من الامتحان، إذ زاره شخص وأخبره أنه مقاول ويتمتع بعلاقات نافذة دون أن يفيده بهويته، وعند استفساره عن سبب الزيارة أخبره أن أحد أقاربه يدرس بثانوية العفيفي الخاصة سيجتاز امتحان البكالوريا بثانوية البارودي، وطلب منه التدخل لمساعدة المرشح المذكور على اجتياز الامتحانات بنجاح، غير أن المدير رفض فغادر الزائر مكتبه.
استدعت عناصر الفرقة الوطنية بعض التلاميذ الشهود وأكد أحدهم أنه حين اجتيازه لمادة علوم الحياة والأرض وبينما كان الأستاذان المراقبان يقومان بترتيب أوراق تحرير الامتحان دخل أحد الأشخاص للقاعة 12 وعمل على أخذ ورقة دون تمييزه لطبيعتها ووضع أخرى مكانها، وغادر إلى حال سبيله، وذلك بعد رنين جرس انتهاء امتحان المادة المذكورة.
تلميذان آخران استمعت إليهما الفرقة الوطنية أكدا الواقعة، وأضاف أحدهما أنه استغرب من إقدام هذا الشخص على دس تلك الورقة فاستفسر الأستاذ المراقب الذي أكد له بأن هذا الأخير هو الحارس العام بالمؤسسة.
بدأت ملامح الملف تتضح لعناصر الفرقة الوطنية، واتجه التحقيق نحو الحارس العام، الذي استمعت إليه الشرطة رفقة مجموعة من الأساتذة الآخرين الذين أشرفوا على المراقبة أو كان لهم تدخل بشكل أو آخر في العملية.
تشبت الجميع بالإنكار وقال المستجوبون إن أجواء الامتحان مرت عادية، دون أن يجيب أحد عن كيفية دس ورقات الامتحان الأربع الخاصة بالرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة والأرض والإنجليزية وسط ورقات الامتحان والتي حصل بموجبها التلميذ أنس على نقط مرتفعة.
التلميذ أنس عبر بدوره عن استغرابه مما وقع، وبعد عرض صور ماخوذة بالماسح الضوئي لأوراق التحرير الخاصة به والمتعلقة بالمواد سالفة الذكر، إذ أكد أن ورقة التحرير الخاصة بمادة الفلسفة وكذا المعلومات المضمنة برأسها هي الوحيدة المدونة بخط يده، مضيفا أنه يجهل الطريقة التي تم بواسطتها إقحام اسمه في أوراق التحرير الخاصة بالمواد الأخرى، مؤكدا أن النقط المحصل عليها بمواد علوم الحياة الأرض والإنجليزية والرياضيات والفيزياء ليس باستطاعته الحصول عليها ، كما أنه يجهل الشخص الذي قام بإنجاز أوراق الامتحان. والكلام نفسه أكدته والدته التي كانت برفقته.
انتقلت عناصر الفرقة الوطنية إلى السرعة القصوى وتم اللجوء إلى بعض تقنيات البحث، وكانت البداية بالحصول على لائحة الاتصالات التي أجراها والد التلميذ عبر أرقامه التابعة لشركات اتصالات المغرب وميديتل وإنوي قبل الامتحانات وبعدها.
كان اسم حارس العام بالثانوية (رشيد.ن) من أكثر الأسماء تلقيا للمكالمات من والد التلميذ أنس، تم التركيز على هذا الاسم كذلك لمعرفة الأرقام التي اتصلت أو اتصل بها، فجاءت متضمنة لأسماء مجموعة من الأساتذة بثانوية البارودي وثانويات خاصة.
حصرت عناصر الفرقة الوطنية بحثها حول والد التلميذ والحارس العام بثانوية البارودي وأساتذة بثانويات عامة وخاصة، وأخفى المحققون لائحة المكالمات وفتحوا تحقيقا بدا في ظاهره عاديا إذ استفسروا الحارس العام (رشيد.ن) عن علاقته والد التلميذ الذي ضبط في حالة غش، فنفى معرفته به ليخرج المحققون لائحة الاتصالات التي تلقاها منه، فتراجع عن أقواله وأكد أنه في شهر أبريل الماضي، التقاه بمقهى بمعية (س.ف)، الذي أخبره بأنه قاض وبعد أن توطدت العلاقة بينهما أخبره أن ابنه مرشح لاجتياز الامتحان الموحد لنيل شهادة الباكالوريا، وأنه في حاجة ماسة لشخص ليقوم بتسريب مواضيع الامتحانات الموحدة والإجابة عنها، وحشرها مكان الورقة التي سيحررها ابنه، إلا أنه لم يوافق في بداية الأمر، واقترح عليه إمكانية تسريب الامتحانات، أما الإجابة فلا يوجد شخص يمكن القيام بذلك، ما دفع القاضي السابق إلى التكفل بعملية الإجابة وتدبير مواضيع الامتحانات.
واستمرت حسب الحارس العام الاتصالات بينهما لتدبير العملية، وقبل موعد الامتحانات بيومين أخبره القاضي بالمكان الذي سيضع عليه يوم الامتحان الورقة التي تتضمن الأجوبة الصحيحة والتي سيتم استبدالها بورقة التلميذ، واستمرت العملية طيلة يومي الامتحان، إذ يعمد الأب إلى جلب ورقة الأجوبة ويضعها فوق حائط بالقرب من المرحاض، ويتولى الحارس العام عملية دسها بين أوراق باقي الطلبة بمساعدة بعض من كانوا يقومون بالحراسة في القاعة التي كان الطالب يجتاز بها الامتحان.
تفاصيل عمليات الغش كانت البداية مع مادة الفيزياء إذ اتفق الحارس العام مع ( ع.ع) على تغيير ورقة الامتحان مقابل مبلغ مالي سيدفعه والد التلميذ، وهو الأمر الذي لم يعترض عليه. ثم جاء دور مادة الانجليزية وتكلفت (خ.ه) باستبدال الورقة بعد اتفاق بينها وبين الحارس العام ، إذ أكد أنه طلب منها إسداء خدمة له بتغيير الورقة ولم تمانع في الأمر بالنظر إلى علاقة الصداقة التي كانت تجمعها بزوجته.
وفي اليوم الثاني للامتحان وبالطريقة نفسها تسلم الحارس العام ورقة الأجوبة الخاصة بمادة الرياضيات، وتوجه نحو القاعة التي يجتاز بها الطالب الامتحان وطلب من (ف.أ)، الخدمة نفسها ولم تمانع، بعد أن أخبرها أن الأمر يتعلق بقريب له يريد مساعدته.
وفي اليوم الثالث الذي تزامن مع اجتياز مادة علوم الحياة والأرض، نهج الطريقة نفسها في عملية تغيير ورقة الأجوبة، إذ اتصل به القاضي السابق وطلب منه تدبير ورقة الامتحان الخاصة بالمادة إلا أن الحارس العام لم يتمكن من ذلك فأعاد الاتصال به وأخبره بأخذ الورقة من المكان نفسه، وعمد رشيد إلى دسها تحت قميصه، وتوجه بها إلى (ع.ح) الذي كان يتولى عملية الحراسة وسلمها له بعد أن أخبره أن المرشح المستفيد منها تربطه به علاقة قرابة، ولم يبد (ع.ح) أي اعتراض ورحب بالفكرة. وفي كل عملية تبديل للأوراق كان القائم بها يعمل على منح النسخة المتعلقة بالتلميذ إلى (رشيد.ن) الذي يعمد إلى تمزيقها أو منحها لوالد التلميذ.
ذكر الحارس العام في تصريحاته أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أن والد التلميذ وعده بعد الإعلان عن نتائج الباكالويا أنه سيمكنه من مبلغ مالي لم يفصح عن قيمته، وفي استماع ثان له أفاد أنه تسلم من والد التلميذ خمسة آلاف درهم رشوة منحها ل (ع.ع) مقابل دس ورقة تحرير الأجوبة الخاصة بمادة الفيزياء، وتم ذلك بحضور الوسيط (س.ف)، ونفى الحارس العام في تصريحاته تسليم أي مبالغ مالية لأساتذة الفرنسية أو الفلسفة أو التعليم الابتدائي الذين أسدوا له خدمة تغيير باقي الأوراق، إلا أنه أخبر والد أنس بضرورة منحهم مبالغ مالية، وكان ذلك بنية الاحتفاظ بها لنفسه.
لم تقف الخدمات التي أسداها الحارس العام للقاضي السابق فقط في تسريب الامتحانات وتغيير أوراق الإجابة بل ذهبت حد وضع شقته رهن إشارة القاضي قصد استغلالها من قبله والأساتذة الذين سيعمدون إلى الإجابة عن أسئلة الامتحانات الخاصة بالرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة باستثناء مادة الانجليزية، نظرا لقربها من مركز الامتحان، وسلمه مفاتيحها.
واجهت عناصر الفرقة الوطنية أستاذة الفلسفة بالمكالمات الثلاث، التي أجرتها مع الحارس العام والتي صادفت اليوم الأول للامتحانات، فصرحت أنه اتصل بها للاطمئنان على صحتها، وكان يرغب في استضافتها في منزله لتناول وجبة الغداء، نافية كل ما جاء على لسان الحارس العام بشأن تغيير ورقة امتحان الانجليزية الخاصة بالتلميذ أنس، النفي نفسه جاء على لسان (ع.ح) بشأن تلبية طلب الحارس العام باستبدال ورقة الامتحانات في مادة علوم الحياة والأرض، وأكد أنه من المحتمل أن يكون الحارس العام استغل انشغالهم بجمع الأوراق وقام بدسها دون علمهم، وبأن أحد المرشحين سبق أن أشعره بأن الشخص الذي ولج القاعة أخذ ورقة فرد عليه بأنه الحارس العام واستفسر فقط عن الغياب وبعد عد أوراق التحرير وجدها مطابقة لعدد المرشحين.
النفي ذاته جاء على لسان أستاذة الفرنسية (ع.ع) غير أن المكالمات الهاتفية والاتصالات العديدة التي تمت بين الأطراف يوم الامتحان وقبله وبعده، وكذا الخبرة على الخطوط التي كشفت تورط الأساتذة في كتابة الأجوبة المدونة على الورقات المضبوطة دفعت الشرطة إلى متابعة المتهمين الثمانية.