أظهرت دورة المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، المنعقدة خلال يومي السبت والأحد، خلافات عميقة بين مكونات الحزب، ولا تدخل هذه المرة، وفق تقديرنا، في إطار تبادل الأدوار، ولكنها من ارتدادات المؤتمر الوطني الأخير، الذي لم يتمكن فيه تيار الولاية الثالثة من فرض وجهة نظره، وبالتالي تم التخلي عن عبد الإله بنكيران، الذي رشح أحد "مريديه" الذي واجه العثماني، رئيس الحكومة، والذي فاز بفارق بسيط على مرشح التيار المذكور.
في المجلس الوطني الأخير عاد تيار الولاية الثالثة بقوة ليفوز بهياكل المجلس، بمعنى أن الأمين العام وقيادة الحزب لم تعد تمثل الأغلبية الحزبية، وبدا واضحا أن الصراع تأجج بعد إسقاط ورقة الحوار الداخلي، التي تقدمت بها الأمانة العامة لفائدة ورقة سيقدمها مكتب المجلس، المحسوب في عمومه على بنكيران.
عودة تيار الولاية الثالثة لا يعني بأي حال من الأحوال عودة بنكيران، الذي قد يُنسى ويصبح جزءا من التاريخ المنسي مثلما حصل لكثير من الزعماء، الذين طواهم النسيان، ولكن أعضاء التيار جعلوا منه قنطرة للدفاع عن معارضتهم للعثماني.
نحن هنا نطرح السؤال: هل الخلافات وسط العدالة والتنمية مبدئية أم مصلحية؟
نتجه رأسا إلى الجواب لنقول إنها مصلحية للعديد من الاعتبارات.
لو كانت الخلافات مبدئية لكان السلوك مخالفا. فبما أن تيار الولاية الثالثة هو المهيمن اليوم على المجلس الوطني فلماذا لم يدفع في اتجاه التصعيد ورفض حكومة العثماني باعتبارها جاءت مخالفة لصناديق الاقتراع وفق التعبير الوتير لدى هؤلاء؟ لنفترض أنهم لا يريدون خلخلة الحزب وتمزيقه فلماذا لا يتخذون موقفا من إجراءات الحكومة التي اتخذها بنكيران ويتخذها العثماني؟ لماذا يسكتون عن جرائم التدبير التي يتم اعتمادها؟
لو كان أنصار الولاية الثالثة مبدئيين لواجهوا بنكيران نفسه، الذي اتخذ إجراءات غير شعبية وغير اجتماعية في حق المواطنين. ولرفضوا إلغاء صندوق المقاصة في ظل اقتصاد هش ورفضوا إصلاح التقاعد برسم إفساده وتحميل المواطنين مسؤولية فشل هاته الصناديق.
سيقول كثيرون من هؤلاء من باب الحجاج البليد إن الحكومة لم تكن لها حيلة وكانت تواجه التماسيح والعفاريت، وإن كان من العفاريت مؤمنون بالإيمان الديني وقال "عفريت من الجن"، أي أن الحكومة كلما تورطت في ضرب القدرة الشرائية للمواطن ألصقتها في جهات خفية. نقول لهؤلاء لماذا لا تنسحبوا حتى نعرف من هم التماسيح والعفاريت؟ أو لماذا لم تخرجوا لتفضحوهم؟ ولكن الحقيقة غير ذلك. حكومة العدالة والتنمية منخرطة جدا في ليبرالية متوحشة زاعمة أنها تلتقي مع الاقتصاد الإسلامي.
لو كان هؤلاء مبدئيين لاختلفوا مع الحكومة في تعويم الدرهم في ظل غموض يلف الاقتصاد الوطني وقدرات الصمود تجاه تقلبات أسعار الصرف. لو كانوا مبدئيين لقاوموا هذا الإجراء الذي لن يتحمله المواطن.
الخلافات بين أبناء الحزب هي حول المصالح والانتفاع، ولأن سوق المصالح انغلقت ولم يبق من مناصب سامية يمكن منحها للمعارضين بعد أن هيمن الحزب على أغلبيتها. إذن لم يعد لدى تيار الوزراء ما يمنحه لتيار الولاية الثالثة ولهذا الغرض يشتد الصراع. نتمنى أن نكون مخطئين فيصحح لنا التيار عبر فعل جاد.