فهل بهذا التراث المضطرب، الذي يعج بالتناقضات، سندافع عن القدس، وفيه روايات قد تخدم مصالح الصهاينة؟ فكثير من العرب، والمسلمين، ممّن يجهلون هذه الحقائق، وعنوة يتم إخفاؤها عنهم، فيما الصهاينة الغاصبون، ومعهم صهاينة عرب، يطّلعون عليها، ومنهم سياسيون، ورجال دين منافقون، ومفكّرون مفْعَمون بالصهيونية، حتى لإنهم يقولون إنّ شباب العرب يموتون مقابل أكاذيب؛ فلا النبي أُسري به، ولا بيتُ المقدس موجود في القدس أصلا؛ وهذا ما قاله صراحة أحدهم تمّ استضافتُه في (طنجة) منذ أشهر، ولوّح بمثل هذا الكلام.. المسلمون الصادقون لا يعرفون ما يدور في الخفاء، والعلماء نائمون؛ أمّا النشيطون منهم، فيتطرّقون للتفاهات، وبالسخافات يحدّثون، وعن دراسة التراث دراسةً علمية ينهَون، ومَن لم يَنْتَهِ كفّروه، واتهموه بالرِّدة، والخروج عن الـمِلّة، والـمَساس بالمقدّسات.. كمْ هو غريب أن يطّلع الأعداء على تراثنا، فيما نحن عنه غافلون؛ فلو كنتُ صهيونيا، لوجدتُ الكثيرَ في هذا التراث الموبوء، أوظِّفه كحجّة خدمةً لأهداف الصهيونية البغيضة، أي والله! فكم من رواية في التراث، هي أشدّ خطرا من رسالة [وعْد بلفور] كيف ذلك؟
في كتاب [تهذيب الآثار؛ مسند ابن عبّاس]؛ جزء: (01)؛ صفحة (447): [..وذلك أنه لا ذكْرَ في القرآن أن رسول الله صلّى في المسجد الأقصى].. وفي كتاب [تهذيب الآثار، وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار] للطبري؛ [أنه لا خبر فيه من الله تعالى عن رسوله أنه صلّى؛ وأنه نزل عن البُراق؛ ولا أنه لم ينزل عنه؛ ولا أنه ربطه؛ ولا أنه لم يربطْه]؛ يقول الصهاينة إنه وعلى هذا الأساس فإن القرآن لم يحدّد مكانَ المسجد، هل في القدس أم في الجُعْرانة.. وجاء في كتاب [التفسير الكبير، أو مفاتيح الغيب] لصاحبه (فخر الدين الرازي)؛ جزء (20)؛ صفحة (59): [أنه وصل إلى حدّ المسجد الأقصى، فإمّا دخل ذلك المسجد أم لا؛ فليس في اللفظ دلالةٌ عليه].. وفي كتاب: [شرْح مشكل الآثار] لكاتبه (ابن سلامة الطّحاوي)؛ جزء: (12)؛ صفحة: (543): [قال (حذيفة): قيل إنه ربط الدّابة بالحلَقة التي يربط بها الأنبياءُ؛ ثم تساءل: أوَكان يخاف أن تذهب الدابةُ وقد أتاه الله بها؟]؛ ويلاحَظ السخريةُ في هذا التساؤل، وجعلوها على لسان (حذيفة) رضي الله عنه، وهو من الصحابة العظام، وحاشا أن يقول هذا، وهو [حذيفة بن اليمان] الملقّب بـ[عدوّ النفاق، صديق الوضوح]؛ اُنظرْ كتاب [رجال حوْل الرسول] لـ(خالد محمد خالد)؛ صفحة: (191)..
الآن نعود إلى تاريخ الإسراء، لنرى هل هناك دقّة، وضبْط للتواريخ؟ في كتاب: [دلائل النُّبوة] لصاحبه (البيهقي)؛ جزء: (02)؛ صفحة (254): [عن ابن شهاب، أُسْرِيَ برسول الله إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة].. وفي كتاب [تفسير القرطبي]؛ جزء (10)؛ صفحة (210): [لقد اختلف العلماءُ في تاريخ الإسراء أيضا؛ وقال (ابن شهاب): كان ذلك بعد مبْعث النبي بسبعة أعوام؛ ورُوِي عن (الوقّاصي) قال إنه أُسرِيَ به بعد مبعثه بخمس سنين؛ وروى عنه (يونس ابن بَكير): صلّتْ (خديجة) مع النبي؛ وهذا يَدُلّكَ على أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام؛ لأن (خديجة) توفّيت قبل الهجرة بخمْس سنين؛ وقيل بثلاث؛ وقيل بأربع؛ وقال (أبو بكر بن عليٍّ بن القاسم الذَّهبي): أُسْرِيَ به بعد مبعثه بـ(18) شهرًا].. والمسجد الأقصى، بناه [عبد الملك بن مروان] بعد وفاة الرسول بـ(75) سنة؛ أي سنة (86) هجرية.. لقد وهن العظمُ مني بسبب البحث المضني؛ فمعذرة للسادة القرّاء؛ ولهم واسعُ النظر، فإلى اللقاء!