مع عودة قضية مقتل الطالب القاعدي آيت الجيد في جامعة فاس سنة ١٩٩٣ والأحاديث التي تروج عن احتمال - نقول احتمال لأن كل متهم برىء إلى أن تثبت إدانته - تورط القيادي في العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين في قتله إلى الواجهة، نقلت مواقع مقربة من حزب « البيجيدي » أن كلاما قيل خلال المجلس الوطني للحزب المنعقد نهاية الأسبوع الأخير رفض بموجبه قادة العدالة والتنمية أي إعادة فتح لهذا الملف وإن ظهرت فيه معطيات جديدة كيفما كان نوع هاته المعطيات.
نقول معطيات جديدة، ونقصد أن هاته المعطيات يمكنها أن تبرئ تماما حامي الدين من التهمة المقيتة التي تلاحقه كل هاته السنوات، ويمكنها أن تدينه، بمعنى أنه من الواجب التأكد من هاته المعطيات التي يقول مطلعون على سير التحقيق إنها ظهرت، ومن الواجب أن يستجيب حامي الدين - مثله في ذلك مثل أي مواطن على هاته الأرض السعيدة - لاستدعاء قاضي التحقيق ومن اللازم انتظار رأي القضاء في هاته المعطيات وهل هي جديدة فعلا، أم هي مجرد مكيدة، أم هو أمر جلل يستلزم إعادة فتح الملف من جديد
ولو سلمنا بحق قادة العدالة والتنمية في الدفاع عن رفيقهم في القيادة مهما كانت طبيعة هاته المعطيات، واستجاب القضاء لهذا الضغط السياسي وقرر أن يضرب صفحا عن الملف ككل، وألا يعيد فتحه لئلا يغضب قادة الحزب الذي يقود الحكومة، فإنه من الضروري على كل مواطن مغربي ابتداء من الآن أن ينخرط في هذا الحزب وأن يترقى في صفوفه لكي ينال هاته الحصانة، ولكي يصبح فوق المساءلة القضائية، كلما ارتكب جرما أو جناية أو جنحة إلا وهب الإخوان في التنظيم لنصرته ظالما أو ظالما، لا يهم.
وهذه في الحقيقة بدعة رائعة اخترعها لنا من قالوا بأن الملف انتهى ولن يعاد فتحه مهما ظهر فيه من جديد، لأنهم يؤكدون لنا أن المغاربة بالنسبة لهم ليسوا سواسية أمام القانون، وأنه من الممكن أن تعطيك صفتك القيادية في حزب ما حصانة وإن كانت هناك شبهات حول تورطك في عمل جنائي، وعليك أن تكون مطمئنا أن الملف لن يعاد فتحه أبدا ولو ظهرت معطيات جديدة يقول كل فقهاء القانون في البلد إنها كافية لإعادة تحريك المتابعة والبحث والتحقيق من جديد.
الرسالة التي وجهتها الرغبة في التضامن بأي حال من الأحول مع « إبن التنظيم وأخ الحركة والحزب » هي رسالة سيئة للغاية وقد أخطأ أهلنا في العدالة والتنمية في توقيت إرسالها، وحتى في طريقة الإرسال، وطبعا في تحديد الجهة المرسلة إليها هاته الرسالة .
إذ الجهة الدوحيدة التي ستتلقى بشكل سيء هذه البعيثة، وستعتبر أنها تضرب في مقتل كل الشعارات التي تقال لها هي جهة الشعب الذي سيفهم أن بطاقة العضوية والتدرج في التنظيم إلى أن تصبح قياديا كل هذا يكفيك شر مواجهة شرور أعمالك إن كنت متورطا في شيء ما يعاقب عليه القانون. بل هو يكفيك حتى عناء إثبات براءتك إن كنت غير متورط في شيء مما تدعي أسرة ومؤسسة آيت الجيد أنك متورط فيه.
للمغاربة مثل بليغ للغاية لم يطلقوه هكذا مثل كل أمثالهم، بل كان نتيجة خبرة السنوات التي مرت على هذا البلد الأمين هو مثل: « ماديرش ماتخافش »، وأوجب الواجبات على من كان يحمل صفة نيابية وصفة قيادية في حزب يرأس الحكومة وصفة دعوية لها علاقة بغيبيات نؤمن بها نحن المغاربة ونعتبرها ملتصقة بنا إلى أن نختصم عند ربنا أن يجيب على نداء القانون بالقانون، وأن يثبت براءته بالدلائل والحجج، لا بالضغط السياسي الصغير، وأن يرد على سؤال القضاء بإجابات واضحة، لا بالتهرب من الاستدعاءات ثم الوقوف باكيا ذات جلسة سابقة للحزب، والآن الاختفاء وراء شعارات « لن نقصر في حماية أخينا ».
الرد الوحيد في هاته الحالة هو القول : هو أخوكم، ومن حقكم أن تحموه، وأن تمنحوه الحصانة التي تريدون، لكن أيت الجيد إبن الشعب المغربي، وهو طالب فقير كان يدرس في الجامعة فقط، وكان يحلم بمستقبل أفضل له ولعائلته ولوطنه، لذلك كان يناضل في صفوف اليسار الجذري، ومن حقه أن يجد من بين أبناء هذا الشعب من يعتبر أن دمه ليس رخيصا إلى هذا الحد لكي يضيع هكذا وتنتهي الأمور…
اليوم آيت الجيد عند ربه، وفي قبره غير قادر على الراحة طالما أن قتلته لم يظهروا ولم ينالوا جزاءهم. أما من هم في حكم قتلته فالله أعلم بحال كل واحد منهم، والله أعلم بمدى تورطهم أو عدمه في هاته الحكاية التي يبدو أنها لن تنتهي في القريب العاجل، وأن روح من ذهب ضحيتها ستظل تلاحق القاتل إلى يوم الدين.
ووحده القضاء يستطيع أن يظهر هاته الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، لمن كان يحترم القضاء طبعا في هذا البلد الأمين.
الأحداث المغربية