كان لتناقض الروايات، وتضارُب الحكايات، نتائجُ سلبية، تمثلتْ في موقف [طائفة الجَهْمية] التي أنكرت الإسراءَ، واعتبرتْه مجرد أضغاث أحلام ليس إلا، فرموهم بالكفر والزندقة.. جاء في كتاب [التنبية، والرد على أهل الأهواء والبدع] لكاتبه (الملَطِي)؛ جزء: (01)؛ صفحة: (99): [أنكَروا الإسراءَ، أي أن يكون رسول الله أُسْرِيَ به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ وأنكَروا الرؤيا، وزعموا أنها أضغات أحلام؛ وهذا هو إجماع كلام الجَهْميَة].. في كتاب [جامع البيان، عن تأويل القرآن؛ تفسير الطّبري] جزء: (15) ص: (03): [عن الحسن بن أبي الحسن قال رسول الله: بينما أنا نائمٌ في الحِجْر، جاءني جبريلُ، فهمزني (ثلاثًا)؛ فجاءني الثالثةَ فجلستُ؛ فأخذ بعَضُدِي؛ فقمتُ معه؛ فخرج بي إلى باب المسجد، فإذا دابّةٌ بيضاء بين الحمار والبغل].. ويقول [الطّبري] أيضا في المرجع نفسه، أي جزء (15)؛ صفحة (02): [لقد ذُكِر لنا أن النبي كان ليلة أُسْريَ به إلى المسجد الأقصى كان نائما في بيت (أمّ هاني) ابنة أبي طالب.. وذُكِر عن (أمّ هاني) أنها كانت تقول: ما أُسْرِيَ برسول الله إلا وهو في بيتي.. وقال آخرون: إنه أُسْريَ به من المسجد..].. وفي [تفسير البَغَوي]؛ جزء: (03)؛ صفحة: (93): [عن أنس بن مالك: قال أبو زِرّ: إن رسولَ الله قال: فُرِجَ عنّي سَقْفُ بيتي وأنا بمكّة.. وقال مالك بن صَعْصَعَة: إن النبي حدّثهم عن ليلة أُسْرِي به إذ قال: بينما أنا في الحطيم، وربّما قال في الحِجر..]..
جاء في كتاب [الحُجّة في بيان المحَجّة وشرْح عقيدة أهل السنة] لكاتبه (الأصبِهاني)؛ جزء: (01) صفحة (535): [المعترضون قالوا: لم يأتِ ذِكْرُ العُروج في القرآن؛ وإنما أتى فيه ذكرُ الإسراء إلى المسجد الأقصى؛ وقالوا إنه في بعض الأخبار، أنه حين أُسْري به كان في بيت (أمّ هاني)؛ وفي بعضها أنه كان في ما بين الصفا والمروة؛ وفي حديث (أبي زرّ): فُرجَ سقفُ بيتي وأنا بمكّةَ؛ وفي حديث (أنس): أُسْرِيَ برسول الله من مسجد الكعبة؛ وفي حديث (أبي صَعْصعَة): قال: جاء النبيُ بينما أنا نائمٌ عند البيت الحرام.].. فانظروا معشَر السادة القرّاء الكرام، مدى الاختلافات الكثيرة، وعدم اليقين، ممّا يبرّر شكوكَ الأعداء في حقيقة الإسراء؛ فإذا تضاربت الأقوال، وتناقضت الروايات، كان ذلك دليلا على فقدان المصداقية، وهو ما يشَجّع الخصومَ على مهاجمتنا، وتحدّينا، أم أنا مخطئ؟ فهل أُسري برسول الله من الحجر، أم من الحطيم؛ أم من الكعبة؛ أم من بيت (أمّ هانئ)؛ أم من بيته؛ أم بين الصّفا والمروة؛ أم؛ أم؟ وأنا أسأل القرّاءَ الكرام.. فهل ستلومني لو أنا اعتراني الشّك، وأنا أستعرض سلسلةً من أماكن الإسراء، كلّها متضاربة في ما بينها؛ فكيف سأجيب شاكّا في الأمر؟ وكيف أُقْنِعه؟ الجواب: لا شيء!
جاء في [سنن الترمذي]؛ جزء (05)؛ صفحة (307)؛ وفي [سُنن النسائي]؛ جزء: (06)؛ صفحة (376)؛ وفي كتاب [أخبار مكّة، في قديم الدهر وحديثه]؛ لصاحبه (ابن إسحاق الفاكهي)؛ جزء: (02)؛ صفحة (102): [يقولون عن زِرّ) قال: قلتُ لـ(حُذَيْفة): هل صلّى رسول الله في بيت المقدس؟ قال: لا.. فردّ عليه (زرّ): بلى؛ حصل.. فرد عليه (حذيفة): أنت تقول ذلك يا أصْلَع.. قال (زرّ): القرآن بيني وبينك.. قال (حذيفة): هات ما في القرآن.. فقرأ (زِرّ): (سبحان الذي أسرى بعبده) الآية (01) من سورة (الإسراء).. فقال (حذَيفة): هل ورد في هذه الآية أنه صلّى فيه؟ قال (زرّ): لا.. قال (حُذيفَة): لو صلّى فيه لكُتِبتِ الصلاةُ فيه..]..
وفي كتاب [الرد على الجَهْمية] لكاتبه (الدّارمي)؛ جزء (01) ص: (110): [لم يُصَلِّ فيه؛ فلو صلى فيه، لكانت سُنّة] (إسنادُه حسن).. وفي كتاب [تهذيب الآثار؛ مسند ابن عباس]؛ جزء: (01)؛ صفحة: (445): [قال (حذيفة) لـ"زِرّ بنِ حُبَيْش": (سبحان الذي أسرى بعبده..) الآية؛ وقال: يقولون إنه دخل المسجد فصلّى فيه؛ ثم ربط دابّتَه، ثم قال (حذيفة): والله ما دخله.. فرد عليه (زِرّ): لا؛ دخل.. فقال (حُذيفة) لزر: مَن أنت؟ قال: أنا زِرّ بن حُبيش.. قال (حُذيفة): من قال لك هذا؟ قال (زرّ): من القرآن.. فنظر إليه (حذَيْفةُ) وقال له: يا أصْلع؛ هل ترى أنه دخله؟ قال (زِرّ): لا والله.. قال (حذَيفة: والله الذي لا إلاه إلا هو ما دخله، ولو دخله لوجبتْ عليكمُ الصلاةُ فيه.].. هكذا كان الحوارُ شديدا بين الصحابة، والاختلافُ كبيرا بين الروايات بهذا الخصوص، ولكني وجدتُ تقاربًا بين المراجع في ما يخصّ الحوار الذي دار بين (حُذيفة) و(زِرّ بن حبيش)؛ لكنّ الاختلاف كان ظاهرا بينهما، ونحن اليوم أشد اختلافا منهما..